مفهوم التاريخ ما طبيعة المعرفة التاريخية
بأي معنى تكون معرفة التاريخ ممكنة جذع مشترك
نموذج منهجية تحليل ومناقشة نص فلسفي المعرفة التاريخية
ملخص تحضير مفهوم التاريخ
مفهوم التاريخ
1 - المعرفة التاريخية:
تأطير إشكالي: ما هو التاريخ؟ هل هو علم قائم بذاته، يتبع منهجا يصل مبدأ بنتيجة، يستخلص منها المؤرخ قانونا يفسر الظاهرة الماضية ويتنبأ بها مستقبلا، أم هو مجرد سرد عجائبي أو حكي خرافي لأحداث الماضي؟ إلى أي مدى يمكن للمعرفة التاريخية أن تكون معرفة موضوعية كما هو الحال في العلوم التجريبية؟هل تضاهي الحقيقة التاريخية مثيلتها في العلوم الأخرى على الرغم من طابعها الماضوي؟
أطروحة ابن خلدون:(1332- 1406)
ليست المعرفة التاريخية معرفة تقوم على سرد أحوال الماضين من الأمم، أو حكي خرافي لوقائع الماضي، وإنما هي معرفة علمية تقوم على النظر العقلي وتتبع منهجا يصل مبدأ بنتيجة، يستخلص منها المؤرخ قانونا يفسر الظاهرة الماضية ويتنبأ بها مستقبلا.
الحجج:
• ظاهر التاريخ لا يزيد على أخبار الأيام والدول وسرد أحوال الماضين، وباطنه نظر وتحقيق وتعليل وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها وليس مجرد رواية للأخبار.
• إذا إعتمد في الأخبار على مجرد النقل ولم تحكم قواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الإجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد لم يؤمن فيها من العثور على مَزَلّةِ القِدَمِ والحَيَدِ عهن جادة الصدق.
• كثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين من المغالط في الحكايات والوقائع لإعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا وسمينا، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها باشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة وتحكيم النظر والبصيرة فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط.
• الظواهر التاريخية لا تقع بالصدفة بل وفق قانون يفسرها ويتنبأ بها مستقبلا كما هو حال نشأة الدول وزوالها، فكل دولة تنشأ على العصبية، ثم تتحول بعد التوسع إلى الملك والإنفراد بالحكم، ثم إلى الكمال والبذخ وإثقال كاهل الرعية بالجبايات والمكوس فتنهار لتحل محلها دولة أخرى جديدة.
مثال:
• في المشرق سقطت دول العباسيين والأمويين وفي المغرب سقطت دول المرابطين والموحدين بسبب الإستبداد والإستئثار بالحكم والخيرات وإثقال كاهل الرعية بالضرائب والجبايات.
أطروحة غولدمان:L.Goldman (1913- 1970)
ليست المعرفة العلمية التي تعنى بدراسة الظواهر الإنسانية، بما فيها الظواهر التاريخية بمعرفة موضوعية، إذ يستحيل على العالم أن يتجرد كلية من إملاءات اللاوعي وقبليات الحس المشترك.
الحجج:
• إن الإختلاف القائم بين شروط عمل الفيزيائيين والكيميائيين والفيسيولوجيين وشروط عمل السوسيولوجيين أو المؤرخين ليس إختلافا في الدرجة، بل في طبيعة كل واحد من العملين.
• إن المعرفة العلمية الأكثر مطابقة للواقع الفيزيائي والكيميائي والأكثر فعالية ونجاعة هي مثال لم يعد يصطدم بمصالح ولا بقيم أي طبقة من الطبقات الاجتماعية.
• بدلا من الإجماع الضمني أو الصريح، بين أحكام القيمة حول البحث العلمي وحول المعرفة المطابقة والضافية، التي تشكل أساس العلوم الفيزيائية- الكيميائية فإننا نجد في العلوم الإنسانية إختلافات جذرية في المواقف، وهي اختلافات تظل ثاوية ولا واعية.
• ليست الموضوعية مجرد مطلب شخصي يتعلق بحضور البداهة ونفاذ الرؤية والنزاهة الفكرية، ولا يكفي أن نضع الحقائق المكتسبة موضع شك أو ننفتح على ما تقوله الوقائع، لان الباحث يتصدى للوقائع وهو مزود بمفاهيم قبلية ومقولات مضمرة ولاواعية تسد عليه طريق الفهم الموضوعي بشكل قبلي.
تركيب:
ما يجب أن نخلص إليه في الأخير، هو أن أي معرفة تقوم على دراسة الإنسان، ماضيا أو حاضرا، تبقى ممكنة إذا اتبع منهجا علميا يقوده إلى الحقيقة. غير أن هذه الحقيقة، خاصة في مجال البحث التاريخي، تبقى نسبية ومحدودة، بالنظر إلى الخلفيات الإيديولوجية التي تتدخل في إعادة بنائها.
2 - التاريخ وفكرة التقدم:
تأطير إشكالي: هل يسير التاريخ بالبشرية نحو وجهة معلومة؟ هل يفيد التقدم كل سلسلة منتظمة من الوقائع تتبع خطا تصاعديا؟كيف يؤيد التناقض والصراع إلى نشوء دولة ومجتمع جديدين؟ ألا يعني القبول بفكرة التقدم القول بمآل حتمي تتبعه المجتمعات البشرية؟ أليس للصدفة والعرضية موقع في هذا التاريخ؟ ألا يمكنهما أن يغيرا مسار التاريخ والمجتمع؟
أطروحة ماركسK.Marx: (1818- 1883)
التاريخ البشري هو تاريخ صراع بين الطبقات، لا يتقدم إلا بفعل التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع جديد وتاريخ جديد.
مثال:
• بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 تحول المجتمع الفرنسي من مجتمع فيودالي قام فيه الصراع بين طبقتين أساسيتين هما طبقة النبلاء وطبقة الأقنان إلى مجتمع رأسمالي برزت فيه طبقتان هما البرجوازية والبروليتاريا.
أطروحة ميرلوبونتيM.Merleau-Ponty: ( 1961-1908 )
ليس للتاريخ منطق واحد وثابت يقوم على الصراع والحتمية، إذ يمكن للعرضية والفجائية أن تؤثر فيه وتغير مساره على الرغم من طابع النسقية (النظام) الذي يميزه.
الحجج:
• رغم إختلاف مظاهره وأوجهه فإن التاريخ لا يشكل مأساة واحدة، ولا تجري تلك المأساة وفق نظام متسلسل الحلقات، ولا يتجه نحو الإكتمال والنهاية المحددة.
• رغم وجود وحدة نسقية في صيرورته إلا أنها وحدة مفتوحة على فراغات وفجوات تتدخل فيها عناصر فجائية تلغي الطابع الحتمي للأحداث التاريخية .
• يمكن للنمو الإقتصادي أن يكون متقدما على النمو الإيديولوجي، أو أن يحدث نضج إيديولوجي فجأة دون أن تتهيأ الشروط الموضوعية للثورة.
تركيب:
هكذا يصبح بالإمكان، أن نخلص إلى أن التقدم، لا يعني في جميع الأحوال خطا تصاعديا، يتجه بالبشرية نحو مآل حتمي، لا تقرر فيه مصيرها، ولا يفسح المجال لتدخل عوامل فجائية تصنع الحدث، وتغير الوجهة التي كانت مقررة سلفا. فهل يعني ذلك أن بإمكان الإنسان فردا وجماعة تغيير مصيره ومستقبله؟ أليست لهذا الإمكان حدود؟
3 - دور الإنسان في التاريخ:
تأطير إشكالي: من يصنع الآخر، هل التاريخ هو الذي يصنع الإنسان أم أن هذا الإنسان هو من يصنع التاريخ؟ أليس التاريخ صيرورة محكومة بالنتاقض المفضي إلى مآل حتمي؟ كيف السبيل إلى تغيير مسار التاريخ إذا كان بالإمكان التحكم في وجهته؟ بأي معنى نفهم أن التاريخ المنفلت من يد الأنا هو من صنع الآخر أيضا؟ كيف يمكنه أن يصنع تاريخه إذا كان مغتربا في الوضع الذي يعيشه؟
أطروحة ماركسK.Marx: (1818- 1883)
التاريخ البشري هو تاريخ صراع بين الطبقات، لا يتقدم إلا بفعل التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وينتهي هذا التناقض بميلاد مجتمع جديد وتاريخ جديد.
أطروحة سارتر:J.P.Sartre (1905- 1980)
ليس التاريخ قدرا محتوما يشرط وجود البشر ويشرط حريتهم وإختياراتهم، بل البشر هم الذي يصنعون تاريخهم، ويتحكمون في مصيرهم ومستقبله عندما يعون شروط الوضع الذي يعيشونه ليتحرروا منه بما تختزنه ذواتهم من إمكانات هائلة يختارون بينها ما يجسدون بها إرادتهم.
الحجج:
• الناس هم الذين يصنعون تاريخهم وليست الشروط الموضوعية هي التي تصنع وإلا أصبحوا في يد قوى غير بشرية تتحكم في وجودهم الإجتماعي.
• إذا كان التاريخ يفلت مني فهذا لا يرجع إلى أني لا أصنعه، بل يرجع أيضا إلى أن الآخر يصنع التاريخ أيضا.
• يتميز الإنسان بقدرته على تجاوز وضعه، لأنه يستطيع أن يفعل شيئا بما يفعل به، وهذا أساس ما هو إنساني، وما نسميه المشروع.
• إن حقل الممكنات هو الهدف الذي يقصده الفاعل لتجاوز وضعيته، والفرد يصنع التاريخ عندما وضعيته نحو حقل ممكناته ويحقق إحداها.
مثال:
• كانت كزافيير تستاء على الدوام من العبث واللغو اللذين تجدهما في أحاديث فرانسواز وبيار حول الحرب والسياسة:
-"إِسْتَأْتِ من ثرثرتنا المترددة حول الحرب في حين كنا نقوم بمشاريع جميلة؟
- يحق لكما التحدث عما تشاءان.
- تظنين أننا نلهو باختراع مأساة من لاشيء، لكنني أؤكد لك العكس. الوضع يستوجب التفكير به مليا. مجرى الأحداث مهم بالنسبة لنا ولك أيضا.
- أعرف هذا جيدا، قالت كزافيير مرتبكة بعض الشيء. لكن ما نفع الكلام عليه؟
- لنكون مستعدين لكل احتمالات. إبتسم: ليس هذا بالاحتراس البورجوازي. لكنك إن كنت تكرهين حقا أن يسحقك العالم، إن كنت ترفضين أن تكوني خروفا بين الخراف، فلا سبيل سوى أن تعيدي التفكير بوضوح في وضعك.
- لكنني لا أفقه شيئا في هذه المسائل، قالت كزافيير شاكية.
- لا يمكن فهم الأمور في يوم واحد. عليك أن تشرعي أولا في قراءة الصحف".
المرجع: .سيمون دو بوفوار، المدعوة، ترجمة دانيال صالح، دار الإنتشار العربي، بيروت،1999، ص353.
تركيب:
لإسدال الستار على ما تم تداوله، يمكن القول إن الإنسان خاضع لضرورة تاريخية تشرط تفكيره وسلوكه، في الماضي والحاضر والمستقبل. لكن خضوعه هذا يطبعه تجاوز مستمر، ينفلت به من ربقة الإشراطات التي تكبل وعيه وحريته، وهو تجاوز يتحقق حين يعي شروط وضعه ويقرر تجاوزها.
خاتمة:
مفاهيم:
التاريخ: علم إنساني يدرس الظواهر الماضية بما فيها الحروب والصراعات بين الجماعات والدول، والنظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية المادية والرمزية، وقياس مدى تأثيرها على الحاضر والمستقبل بالكشف عن القوانين المتحكمة فيها .
علاقات الإنتاج: هي العلاقات التي تربط بين الناس أثناء عملية الإنتاج المادي.
قوى الإنتاج: هي مختلف الوسائل التي يستخدمها الإنسان في الإنتاج بما في ذلك القوى العاملة.
نمط الإنتاج: هو النظام الذي تأخذه عملية الإنتاج حسب طبيعة قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، خصوصا على مستوى نمط ملكية وسائل الإنتاج.
التقدم: كل تطور كمي أو كيفي، إيجابي أو سلبي، ويدل أيضا على كل تحسن أو نمو من حالة إلى حالة أخرى أفضل منها..
حقل الممكنات: مجموع الإحتمالات المتاحة أمام الإنسان بشكل موضوعي وذاتي، يختار واحدة منها حسب وعيه وظروفه.
