في تصنيف مناهج تعليمية بواسطة (2.4مليون نقاط)

مقالة حول طبيعة الإدراك هل المعرفة الإدراكية نابعة من الإحساس بالضرورة

مقدمة وخاتمة حول طبيعة الإدراك

مقالة طبيعة الإدراك

أقوال الفلاسفة عن طبيعة الإدراك في الفلسفة 

طبيعة الإدراك الفلسفي 

طبيعة الإدراك:

*هل المعرفة الإدراكية نابعة من الإحساس بالضرورة؟

إن الإنسان كائن حي يمتلك جملة من الوظائف والقدرات تمكنه من الحفاظ على بقائه واستمراره وبفضلها يستطيع التكيف والتعرف على العالم الخارجي ومن بينها الإدراك وهذا الأخير يعد من أهم القضايا والمسائل التي أثارت اهتمام العديد من الفلاسفة وعلماء النفس قديما وحديثا خاصة حول طبيعته أو م

صدره حيث انتهى هذا البحث إلى جدل بين الفلاسفة لذا نتساءل: ما مصدر الإدراك هل يعود إلى فاعلية الذهن أم إلى الحواس أم إلى بنية الموضوع المدرك أم إلى الشعور؟

النظرية العقلية (الذهنية):

 يرى أنصار النزعة العقلية وخاصة روني ديكارت وألان وجورج باركلي أن إدراكنا للأشياء يتوقف على فاعلية العقل ، أي أن الذهن يلعب محورا أساسيا في عملية الإدراك وبالتالي لا إدراك بدون عقل ولقد دعموا هذا الموقف بجملة من المبررات:

فالنظرية العقلية تؤكد على ضرورة التمييز والفصل بين الإحساس والإدراك في كل نشاط معرفي لكون الأول هو عملية عضوية ناتجة عن تأثر أعضائنا بإحدى المؤثرات الخارجية وهو مرتبط بالبدن أما الإدراك هو وظيفة عقلية يرتبط ارتباطا وثيقا بالذهن والعمل العقلي.

  كما أنها ترى أن الإحساس هو أدنى قيمة معرفية لكونه يقدم لنا معارف ظنية غير يقينية وغير كاملة وعليه فوظيفته سلبية ،وهذا ما ألح عليه ديكارت حيث أكد على ضرورة عدم الثقة في الحواس لكونها خادعة حيث يقول: "إنه لمن الحكمة أن لا نطمئن كل الاطمئنان في أولئك الذين خدعونا ولو لمرة واحدة" ، بخلاف الإدراك فهو يعطينا معرفة كاملة ويقينية ثابتة حيث يقول: "وإذن أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ماكنت أحسب أني أراه بعيني" ومن الأمثلة التوضيحية على ذلك رؤية قلم منكسر في كوب زجاجي به ماء ولكن الحقيقة في أذهاننا ليست كذلك ، ورؤية معاطف وقبعات تتحرك ندرك أنهم أناس ، والتماثيل من بعيد نراها صغيرة وندركها كبيرة...

 ومن أنصار هذا الموقف أيضا ألان الذي بين أن الأشياء لا تدرك بالحواس لأنها لا تبرز لنا سوى بعدين فقط من أبعاد المكان أما البعد

 الثالث فهو عمل عقلي ، بمعنى أن المعطيات الحسية تقدم لنا معارف ناقصة ،وبالتالي الإدراك عنده نشاط عقلي خالص لكونه يرتبط بالوظائف العقلية العليا من حكم واستنتاج وتأويل وتفسير وتحليل وتركيب ،فالأشياء حسب رأيه نراها ناقصة وندركها كاملة وقدم مثالا على ذلك بالمكعب فنحن نرى أن له ثلاثة أوجه وتسعة أضلع وندرك أن له ستة أوجه واثني عشر ضلعا ومن ثم فالمكعب معقول لا محسوس حيث يقول: " الشيء يدرك ولا يحس به ".

بالإضافة إلى ألان يرى الفيلسوف بركلي أن الإدراك يعود دائما إلى فاعلية الذات فهو يؤكد أن إدراك المسافات البعيدة جدا ليس إحساسا بل حكم يستند إلى التجربة (الخبرة ).

إذن إدراكنا للعالم الخارجي يتوقف على فاعلية الذهن.

النقد:

لا ننكر فضل النظرية العقلية في ما ذهبت إليه لأن العقل لديه أهمية كبيرة في عملية الإدراك ،غير أنها بالغت كثيرا حين فصلت بين الإحساس والإدراك وهذا ما رفضه علم النفس الحديث ،فالإحساس هو الجسر الذي يعبر منه الإدراك بدليل ان المعرفة عند الطفل تبدأ حسيا.

النظرية الحسية (التجريبية):

يرى أنصارها أن الإدراك نابع من الإحساس بالضرورة ، ولا يستطيع العقل إدراك العالم الخارجي إلا في حدود ما تمده به الحواس ، ومثل هذه النزعة كل من المدرسة الرواقية وجون لوك ودافيد هيوم:

 حيث أكدت الرواقية بأن التجربة الحسية هي المصدر والمقياس الحقيقي لكل معرفة لأن نفس الطفل لا تشتمل على المعاني الفطرية فهو يبدأ بعديا شيئا فشيئا بواسطة خبرته الحسية.

وإلى نفس الفكرة يذهب جون لوك الذي يرى ان العقل عبارة عن صفحة بيضاء خالية من كل معنى وكتابة ،والتجربة هي التي تكتب عليه ما تشاء أي أنه يؤكد على أن كل الأفكار التي في أذهاننا هي أفكار مكتسبة ، حيث يقول: "لا يوجد في العقل شيء ما لم يوجد من قبل في الحس". بمعنى أننا ندرك الأشياء الخارجية من حيث صفاتها وكيفيتها الحسية ، أي أن الإدراك عنده هو ترابط الاحساسات في الذهن مثل الليمون ندركها من حيث لونها وشكلها ورائحتها وطعمها (إحساس + إحساس + إحساس + إحساس = إدراك).

ويعتقد دافيد هيوم أن الإدراك ما هو إلا انطباع المحسوسات نتيجة تأثر الحواس، فما أفكارنا سوى نسخة من انطباعاتنا وخبراتنا الحسية لأنه لا وجود لشيء في الأذهان ما لم يوجد في الأعيان ، وبالتالي التجريب هو أساس التجريد ، لأن الحواس هي الوسائل الوحيدة للمعرفة وفاقد لحاسة ما فاقد للمعرفة المرتبطة بتلك الحاسة ، فمثلا ليس بإمكان الأكمه (الأعمى) أن يدرك الألوان ما دام فاقدا للإحساس البصري "الشيء يحس ولا يعقل".

فالتجربة الحسية إذن هي الأساس الأول لما نملكه من معارف وليس العقل.

النقد:

لا ننكر دور الحواس في عملية الإدراك لكن القول بأن الإحساس هو المصدر الوحيد للإدراك فيه مبالغة وغلو ، لأن هذا الموقف لا يخلو من عدة سلبيات ونقائص من بينها:

هذه النظرية اعتبرت الإحساس كأساس وحيد للإدراك وأهملت دور العقل في ذلك لأنه لو كان الإحساس هو المصدر الوحيد للإدراك لكان الطفل والحيوان يدركان على السواء(يعقلان)كما أن هناك أشخاص لديهم حواس سليمة وهم لا يدركون كالبلاهة والضعف العقلي ، إضافة إلى ذلك أن الحواس في كثير من الأحيان ما توقعنا في الزلل والخطأ كرؤية الضوء لونه أبيض علميا أثبت أن له سبعة ألوان أو رؤية قرص شمس نراه صغير ولكن الحقيقة ليست كذلك ، وبالتالي الإدراك ليس مجرد ترابط الإحساسات في الذهن.

النتيجة:

نصل إلى أن الحواس والعقل متكاملتين ، فالحواس تنقل الأحاسيس ليتم تفسيرها وتأويلها عن طريق العقل. وبهذا الحواس والعقل وجهان مختلفان 

 لعملية نفسية واحدة ألا وهي الإدراك " إحساس + تأويل = إدراك ".

هل الإدراك تجربة نابعة من الذهن والذات أم أنه خال من أي نشاط ذهني؟

غير أن علم النفس الحديث رفض تفسير الاتجاه العقلي والتجريبي في عملية الإدراك واعتبر أن هناك مصدرا آخر يتحكم في إدراكنا ومن بين الذين أكدوا ذلك نجد المدرسة الجشطالتية والظواهرية فما موقفهما.

ـالنظرية الجشطالتية (الشكل أو الصورة):

ترى المدرسة الجاشطالتية بزعامة ولفجانج كوهلركيرت وكوفكا وماكس فرتهيمر أن إدراكنا للأشياء ليس حكم عقلي وإنما مصدر الإدراك عندها يتوقف على بنية الموضوع المدرك ومن ثمة فهي ترفض التمييز بين الإحساس والإدراك ، وهذه المدرسة تؤكد بأننا ندرك الموضوع ككل لا كجزء مثل الشجرة والإنسان والمطر ، لأن الجزء لا يكتسب أهميته إلا داخل الكل ، فالأنغام الموسيقية لا قيمة لها إلا في تواصلها ،ومن هذا المنطلق فهي ترى أن العالم الخارجي يخضع إلى قوانين يطلق عليها بقوانين الانتظام وهي التي تنظم وتتحكم في عملية الإدراك ومن بين هذه القوانين نذكر:

1ـمبدأ الشكل والأرضية: أي كل شكل يدرك في أرضية وفيه ينقسم المجال الإدراكي لدى الإنسان إلى مجالين ، الأول يمثل الشكل والثاني بمثابة خلفية له مثل رؤية الوردة على قطعة قماش أو رؤية قمر في كبد السماء وكلما كان الموضوع مخالفا للخلفية كان الادراك اوضح.

2ـقانون التشابه: الأشياء المتشابهة في الشكل والحجم واللون نميل إلى إدراكها كصيغ متميزة عن غيرها مثل:

++++ـ ـ ـ ـ + ++ + ـ ـ ـ ـ + + + + ـ ـ ـ ـ + + + + ـ ـ ـ ـ

    

قانون التقارب: الأشياء المتقاربة والمتجاورة ندركها مجتمعة لا منفصلة:

.. ..

........................... .. ..

قانون الإغلاق: الأشياء الناقصة نميل إلى إدراكها كاملة ، وذلك حسب طبيعة الموضوع أي نميل إلى سد الفجوات الموجودة بينها مثل:

     

كما أكدت هذه المدرسة أنه كلما تغير الموقف الخارجي تغير إدراكنا، له أي أن تغيير عنصر ما من الصيغة يغير الشكل بأكمله، فتصفيف شعر الرأس على شكل معين قد يظهر تمدد أو قصر الوجه، من هنا يكون الإدراك ناتج عن انتظام الأشياء وتوجهه عناصر الموقف الإدراكي ، وإن نشاط الذهن شكلي محكوم ببنية الموضوع وصيغته ،وعلى هذا تكون المدرسة الجشطالتية لم تأخذ بالعوامل الحسية وحدها ولا بالعوامل العقلية فقط ، بل أخذت بالإحساس والإدراك معا ، من خلال تناول الموقف والبنية بأكملها ، وانتظام هذه البنية وتفككها هو الذي يحدد الموقف الإدراكي ككل.

إذن إدراكنا للأشياء يتوقف على بنية الموضوع المدرك،.

النقد:

لا ننكر فضل النظرية الجشطالتية ومساهمتها الكبيرة في عملية الإدراك، وذلك بتأكيدها على بنية الموضوع المدرك لكنها بالغت كثيرا لأن موقفها ينطوي على عدة نقائص وسلبيات من بينها:

فهي قد ركزت على العوامل الموضوعية وأهملت العوامل الذاتية من تجارب وخبرات ماضية، لأن عملية الإدراك تتأثر بما هو ذاتي من جهة وما هو موضوعي من جهة أخرى ، كما أن العقل لا يبقى دائما في حالة استقبال سلبي لما يعرض له من شتى المدركات ، ويظهر نشاطه في الحكم والتفسير والترجمة ، ولو كانت العوامل الموضوعية كافية لوحدها لكان الإدراك واحدا عند جميع الناس ، غير أن الواقع يبين العكس فهو يختلف من شخص لآخر ، وذلك بتدخل العديد من العوامل الذاتية كالميول والرغبات والاهتمام ، فإدراك الفنان للطبيعة مثلا ليس كإدراك الفلاح والمهندس لها.

النظرية الظواهرية (الفينومونولوجية):

ترى النظرية الظواهرية بزعامة هوسرل وميرلوبونتي وجون بول سارتر أن الإدراك لا يتعلق بالعوامل الموضوعية الخارجية ، وإنما بالعوامل الذاتية النفسية ، فالشعور يلعب دورا في التأثير على عملية الإدراك ، هذا الأخير يتوقف عندهم على تفاعل عاملين هما: الشعور والموضوع المدرك ، ومن الحجج التي تؤكد هذا أن الإدراك يختلف حسب اختلاف الشعور فمثلا الأسد في السرك أو في الحديقة ليس كإدراكه في الغابة ، لهذا فإن الإدراك في نظر الظواهرية يتعلق بمعرفة وصفية يؤدي إليها الشعور.

النقد:

لكن هذه النظرية بالغت في رأيها لأنها أهملت دور المعطيات الحسية وفعالية الذهن وغيرها من العوامل النفسية اللاشعورية ،وهذه الأخيرة تؤثر في عملية الإدراك.

حل المشكلة:

 خلاصة القول أن الإحساس بوصفه علاقة أولية بالعالم الخارجي ، والإدراك باعتباره معرفة مجردة بهذا العالم ، ولا جدوى واقعيا من تمييز الإحساس عن الإدراك ، لأنه لا يوجد إحساس خالص وعقل محض(إدراك)، سيما من جهة اعتبار الإحساس مسبوقا بشيء من فعاليات العقل وفي نفس الوقت يعتمد الإدراك على الإحساس.

          

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
طبيعة الإدراك في الفلسفة للسنة 3 ثانوي

هل المعرفة الإدراكية نابعة من الإحساس بالضرورة

اسئلة متعلقة

...