في تصنيف بكالوريا جميع الشعب بواسطة

هل تعتقد أن الذاكرة ناتجة عن اثر مادي

مقالة فلسفية افضل مقالة حول الذاكرة 

هل تعتقد أن الذاكرة ناتجة عن اثر مادي؟. هل الذاكرة ظاهرة فيزيولوجية أم حقيقة سيكولوجية؟. 

هل ترتد الذاكرة الى حقائق روحية أم تتجلى من وراء الملامح الفيزيولوجية؟. هل القول فيزيولوجية الذاكرة يتنافى مع طبيعتها السيكولوجي؟

 طرح المشكلة : ينطلق السيكولوجيون من دراسة الظواهر النفسية، أي الاهتمام بدراسة الإنسان من حيث كونه قادر على الإبداع والتذكر والتخيل، هذا ما جعلنا نعتقد بان الإنسان كائن ذو أبعاد باعتباره لا يعيش الحاضر بالحاضر، بل يتعدى ذلك الى الماضي والمستقبل . وليست هذه الأزمنة سوى لحظات شعورية يحتفظ بها الشعور باعتبارها أحداثا للماضي يمكن استرجاعها بغرض ما في الحاضر، فإذا كانت الذاكرة وظيفة نفسية تتمثل في إعادة حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك وإذا كانت الحياة النفسية تمتاز بالتعقيد هذا هو ما جعل العلماء والفلاسفة يختلفون في تفسيرهم لمختلف الوظائف العقلية، أي تداخل ما هو عضوي وجسمي بما هو نفسي . والذاكرة هي احدى الوظائف التي كانت محل تباين وجهات النظر. هذا ما عجل بظهور التساؤل التالي : هل الذاكرة من طبيعة مادية، أم أنها من أصل نفسي وبالتالي من حقيقة روحية؟. بمعنى أخر . هل الذاكرة من أصل فيزيولوجي أم من طبيعة سيكولوجية؟  

محاولة حل المشكلة : 

الاطروحة الاولى : " الذاكرة من طبيعة مادية " يرى أنصار هذا الموقف أن الذاكرة وظيفة يقوم بها الجهاز العصبي والذكريات مسجلة في خلايا الدماغ. هذه الرؤية المادية للذاكرة جعلت ريبو يقدم لها مفهوم يتفق مع هذه النظرية يقول ": ( الذاكرة ) وظيفة عامة يقوم بها الجهاز العصبي أساسها خاصية العناصر في الاحتفاظ بالتغير الوارد عليها في تكوين الترابطات " . ويقول أيضا : "الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالذات وظاهرة نفسية بالعرض، وتستند هذه النظرية إلى أدلة منها فقدان الذاكرة عند إصابة الدماغ، وعندما تزول الذكريات تتبع قاعدة واحدة هي التراجع من الأحدث إلى الأقدم ومن المركب إلى البسيط وعندما تعود تتبع نفس القاعدة ولكن بشكل عكسي" . حيث نجد أن ما يُثبت الذاكرة هو عامل التكرار، لأنه العامل الحاسم في عملية الاسترجاع والتثبيت إذ يُرجع الماديون وعلى رأسهم ريبو أن الذاكرة من طبيعة مادية إذ بيّن بان إدراك الحوادث يترك أثارا ماديا بخلايا القشرة المخية والتي يمكن إثارتها مرة أخرى عند حدوث إدراك مماثل، ولعل ما جعل علماء النفس يفسرون الظواهر النفسية تفسيرا ماديا، هو سيادة المذهب المادي في أوروبا خلال القرن التاسع عشر "19" يقول ريبو " الذاكرة وظيفة فيزيولوجية بالماهية، سيكولوجية بالعرض " كما أن ريبو اعتبر الذاكرة شبيهة بالعادة فالملاحظات التي قام بها العالم بروكا. تبيّن أن حدوث نزيف في قاعدة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية يُولد ما يُعرف بالحبسة وهي فقدان القدرة على النطق وان إصابة التلفيف من الناحية الجدارية يُولد ما يُعرف بالعمى اللفظي أي عدم فهم معاني الكلمات وأمراض الذاكرة التي تمس الدماغ تُعرف باسم بروكا . أي منطقة بروكا كما تؤكد التجربة التي قام بها العالم دولي ذلك . حيث قام بدراسة على فتاة في سن الثالثة والعشرين "23" أصيبت برصاصة في المنطقة الجدارية اليمنى، حيث لا تستطيع أن تتعرف على كل الأشياء التي توضع بيدها اليُسرى، وهذا على الرغم من أنها محتفظة بكافة الإحساسات اللمسية والحرارية في حين تستطيع أن تعرف كل ما يُوضع في يدها اليمنى . 

النقد والمناقشة : لكن نلاحظ انه إذا كانت الذكريات مخزنة بشكل مادي، فلماذا تتأثر بفعل الصدمات النفسية؟ ثم إن العمليات على المخ التي ينزع أحيانا نصفه، لم تمس الذكريات، وإذا كانت نظرية ريبو تسمح بنقل خلاصة ذاكرة إنسان إلى إنسان آخر، فمن أي جزء في المخ تأخذ هذه الخلاصة؟ ثم أننا نعلم أن فقدان القدرة على التذكر " اثر إصابة دماغية "لا يعني أن المصاب قد فقد ذكرياته وإلا فكيف نفسر صعوبة التذكر في أثناء الإغماء؟ فقد يحصل للمصاب وان يستعيد كل ذكرياته نتيجة صدمة اعنف وهذا ما يُمكن أن يكون كرد على أنصار النزعة المادية .  

الاطروحة الثانية : أنصار النظرية النفسية "الذاكرة من طبيعة نفسية" يقول براغسون : " لو كانت هناك حقا ذكريات في خلايا القشرة الدماغية للاحظنا في الحبسة الحسية مثلا فقدانا لبعض الكلمات المعينة لا يمكن تعويضه وحفظا للأخرى والواقع أن الأمور تجري على هذا المنوال " . ويقول : " ونحن لا نجد في أية حالة من الحالتين ذكريات محددة المكان في خلايا معينة من المادة الدماغية من شأنها أن يزيلها إتلاف هذه الخلايا " فلا يعترف براغسون بمادية الذاكرة إلا في حالة واحدة وهي حالة الحبسة وهي فقدان القدرة على الكلام المنطوق مع سلامة الأعصاب وأعضاء النطق، كما تمس الاضطراب البصري يقول : " إنها الحالة الوحيدة التي يمكننا فيها إن نعزو للمرض مقرا ثابت في تلفيف معين من تلافيف الدماغ . و براغسون يميز بين نوعين للذاكرة، ذاكرة حركية وذاكرة نفسية، الأولى يكتسبها الجسم بالتكرار، والثاني هي الذاكرة الحقيقة، وهي الذاكرة النفسية التي تعيد الماضي باعتباره ماضي، ويمكن أن يجتمعا هذين النوعين في حفظ قصيدة مثلا، ففي الوقت الذي يكتسب فيه أعضاء النطق عادة لفظية عن طريق التكرار، فإننا نتذكر الظروف المحيطة بعملية الحفظ . ثم يتساءل في حالة فقدان الذكريات، هل الذكريات هي المفقودة أم آن الأمر لا يتعدى تعذر القدرة على التذكر . يعتقد براغسون أن السبب يعود إلى فقدان القدرة على الاستعادة، بدليل إذا أرشدنا الناسي إلى المقطع الأول أو نشجعه فنجده يتذكر ما عجز عنه. يقول براغسون منتقدا الماديين : فكيف يفسر كون فقدان الذاكرة يتبع هنا طريقة منهجية مبتدئا بأسماء الأعلام ومنتهيا بالأفعال؟ فلا تكاد تكون هناك وسيلة إلى ذلك لو كانت الصور اللفظية موضوعة حقا في خلايا القشرة : أفلا يكون من الغريب حقا أن يمس المرض دائما هذه الخلايا على نفس الترتيب؟   

النقد "المناقشة " لكن نلاحظ أن براغسون قد بالغ عندما فصل بين الذاكرة الحركية والذاكرة النفسية لان التجربة تثبت أن الحركة ضرورية للذاكرة . ثم انه انتقد النظرية المادية ولم يبين أين يُحتفظ بالذكريات النفسية؟. ثم انه من المبالغة تماما أن نتجاهل دور العوامل الفيزيولوجية وهو ما أشار إليه ببار جانيه حينما انتقد براغسون قائلا : "يصعب الفصل التام بين ما هو عضوي وما هو نفسي ". ثم انه إذا لم تكن الذكريات مخزنة في خلايا القشرة الدماغية، فهي موجودة في النفس . فهل يعني أنها مستقلة عن فيزيرلوجية الجسم؟ يرى بيارجاني أن براغسون نظر إلى الذاكرة نظرة فيلسوف وليس نظرة عالم، ومن هذا فقد بالغ في التمييز بين الذاكرتين

التركيب : "تجاوز": تجاوزا للخلاف السابق نجد علماء الاجتماع قد ارجعوا الذاكرة إلى الأطر الاجتماعية نابذين بذلك الخلاف بين النزعة المادية والنزعة الروحية معتبرين أن الذاكرة تتجاوز الوظيفة الفردية سواء الداخلية أو الخارجية إذ أن الذاكرة تنطلق من المفاهيم المشتركة بين الأفراد يقول هالفاكس : "أن الماضي لا يُحتفظ به، انه يُعاد بناؤه انطلاقا من الحاضر والذكرى تكون قوية لما تنبعث من نقطة التقاء الأطر الاجتماعية . " ثم أن التجارب المكتسبة في ظل المناسبات الدينية والاجتماعية تقوي الذاكرة بينهم، غير أن هذه النظرية لا تنبئ بالصدق المطلق . فلو كانت الذاكرة اجتماعية لكان للأفراد الذين يعيشون في مجتمع واحد نفس الذاكرة يقول هالفاكس : "وبالفعل ما دامت الذكرى تعيد إدراكا جماعيا فإنها في حد ذاتها لا يمكن أن تكون إلا جماعية، ويكون من غير الممكن للفرد المقتصر على قواه فقط أن يتصور من جديد، ما لم يتمكن من تصوره أول مرة إلا بالاعتماد على فكر زمرته " كما أن الناس يستعملون اللغة في الإفصاح عن ذاكرتهم وهذه اللغة مفهومة عند غيرهم وبما أن الذكرى نعبر عنها بكلمة فتكون هي أيضا اجتماعية . يقول هالفاكس : " إن اللغة جملة نسق الاصطلاحات الاجتماعية التي تدعمها هي التي تمكننا في كل لحظة من إعادة بناء ماضينا " ويقول جون دولاي : " إننا نعني بهذا الاسم ذاكرة اجتماعية ما دعاه ـ بيار جاني ـ السلوك الإخباري تلك اللغة التي أنشأها المجتمع لمقاومة شروط الغياب والتي تبدو له أجدر ما تكون الذاكرة المستحقة لهذا الاسم " إن الذاكرة بهذا هي ذاكرة الزمرة والأسرة والجماعة والطبقة والطائفة وذاكرة الأمة بأكملها، لأننا نعبر عنها باللغة واللغة ظاهرة اجتماعية . 

حل المشكلة : 

الخاتمة : وصفوة القول وختامه أن الذاكرة عملية استرجاع المدركات الماضية ، ذلك لأنها وظيفة إنسانية منظمة تترك أثارا في القشرة المخية، غير أن عملية الاستدعاء تنصب على الخبرات ذات العلاقة بالحالات النفسية الخاصة ومما تقدم ذكره نستطيع أن نجيب في مقالنا هذا عن طبيعة الذاكرة قائلين : أنها تتجلى في مختلف أبعاد الإنسان الإرادية منها والغير إرادية التي لها علاقة بالجانب الطبيعي والثقافي . كما أنها متفاعلة بين الذاتية والموضوعية.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
هل تعتقد أن الذاكرة ناتجة عن اثر مادي

اسئلة متعلقة

...