في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

خطبة الجمعة بعنوان يوم نجى الله فيه سيدنا موسى عليه السلام 

خطبة بعنوان يوم نجى الله فيه موسى 

الحمد لله رب العالمين 

عِبَادَ اللهِ: تَأَمَّلُوا مَا قَصَّهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؛ بِسَبَبِ الإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَمَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَعْدَائِهِ الكَافِرِينَ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ وَالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ، )لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ([يوسف: 111].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

قَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ سِيرَةً طَوِيلَةً، وَسَاقَ قَصَصَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ عَدِيدَةٍ، بِأَسَالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ، وَلَيْسَ فِي قَصَصِ القُرْآنِ أَعْظَمُ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ عَانَى مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، وَصَبَرَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَنْبِيَائِهِمْ، وَأَتْبَاعُهُ أَكْثَرُ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ بَعْدَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ مِنَ القُوَّةِ العَظِيمَةِ فِي إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ وَالْغَيْرَةِ العَظِيمَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ وُلِدَ فِي وَقْتٍ قَدِ اشْتَدَّ فِيهِ فِرْعَوْنُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: فَكَانَ يُذَبِّحُ كُلَّ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ يُولَدُ مِنْهُمْ، وَيَسْتَحْيِي النِّسَاءَ لِلْخِدْمَةِ وَالِامْتِهَانِ، فَلَمَّا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ خَافَتْ عَلَيْهِ خَوْفًا شَدِيدًا؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ جَعَلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ يَرْقُبُ نِسَاءَهُمْ وَمَوَالِيدَهُمْ، وَكَانَ بَيْتُهَا عَلَى ضِفَّةِ نَهْرِ النِّيلِ فَأَلْهَمَهَا اللهُ تَعَالَى أَنْ وَضَعَتْ لَهُ تَابُوتًا إِذَا خَافَتْ أَحَدًا أَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ، وَرَبَطَتْهُ بِحَبْلٍ لِئَلَّا تَجْرِي بِهِ جَرْيَةُ المَاءِ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِهَا أَنَّهُ أَوْحَى لَهَا: أَنْ لَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي، )إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ( [القصص:7]، فَلَمَّا أَلْقَتْهُ ذَاتَ يَوْمٍ انْفَلَتَ رِبَاطُ التَّابُوتِ، فَذَهَبَ المَاءُ بِالتَّابُوتِ الَّذِي فِي وَسَطِهِ مُوسَى، وَمِنْ قَدَرِ اللهِ أَنْ وَقْعَ فِي يَدِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَجِيءَ بِهِ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ آسِيَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ أَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا، وَكَانَ اللهُ قَدْ أَلْقَى عَلَيْهِ المَحَبَّةَ فِي القُلُوبِ، وَشَاعَ الخَبَرُ وَوَصَلَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: )قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ([القصص:9]، فَنَجَا بِهَذَا السَّبَبِ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْبَابِ هِدَايَتِهَا وَإِيمَانِهَا بِمُوسَى بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَّا أُمُّ مُوسَى فَإِنَّهَا فَزِعَتْ )وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ( [القصص:10 -11] وَتَفَقَّدِيهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قَدْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ المَرَاضِعَ فَلَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ امْرَأَةٍ، وَعَطِشَ وَجَعَلَ يَتَلَوَّى مِنَ الجُوعِ، وَأَخْرَجُوهُ إِلَى الطَّرِيقِ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ لَهُ أَحَدًا، فَحَانَتْ مِنْ أُخْتِهِ نَظْرَةٌ إِلَيْهِ، )فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ( [القصص:11] بِشَأْنِهَا، فَلَمَّا أَقْبَلْتْ عَلَيْهِ وَفَهِمَتْ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ لَهُ مُرْضِعًا، قَالَتْ لَهُمْ: )هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ( [القصص: 12 – 13]، فَأَحَاطَ اللهُ مُوسَى بِعِنَايَتِهِ، وَحَفِظَهُ بِقُدْرَتِهِ، فِي بَيْتِ عَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّهِ، حَتَّى كَبِرَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى، وَقَتَلَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنِ وَتَخَوَّفَ مِنَ الطَّلَبِ بِدَمِهِ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا إِلَى أَرْضِ مَدْيَنَ، وَلَبِثَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، تَزَوَّجَ فِي أَثْنَائِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ، وَفِي طَرِيـقِهِ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَآتَاهُ اللهُ مِنَ الآيَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، مُعْجِزَةَ الْعَصَا وَانْقِلَابَهَا إِلَى حَيَّةٍ تَسْعَى، )وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ( [النمل:12]، وَلَكِنَّ فِرْعَوْنَ عَانَدَ وَكَابَرَ، ) فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى([النازعات:21 – 24]، وَادَّعَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى سِحْرٌ، وَأَنَّ عِنْدَهُ مِنَ السِّحْرِ مَا يُبْطِلُهُ، وَجَمَعَ السَّحَرَةَ مِنْ جَمِيعِ مَمْلَكَتِهِ، فَعَرَضُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَاتِ، وَعَرَضَ مُوسَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، )فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ( [الأعراف:118 – 122].

عِبَادَ اللهِ: تَأَمَّلُوا حَالَ هَؤُلَاءِ السَّحَرَةِ، وَكَيْفَ ثَبَتُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ حِينَ رَأَوْا آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ تَوَعُّدِ فِرْعَوْنَ لَهُمْ بِأَنْ يُقَطِّعَهُمْ وَيُصَلِّبَهُمْ، وَلَكِنْ )قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ( [الشعراء: 50 – 51].

وَبَعْدَ انْتِصَارِ مُوسَى لَجَأَ فِرْعَوْنُ إِلَى القُوَّةِ وَالْبَطْشِ، وَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ، وَهَذَا حَالُ أَهْلِ البَاطِلِ عِنْدَمَا يُفْلِسُونَ مِنَ الْحُجَّةِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى أَنْ يَخْرُجَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَيَتَوَجَّهَ بِهِمْ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَنْفَرَ فِرْعَوْنُ جُنُودَهُ، وَجَمَعَ قُوَّتَهُ، وَخَرَجَ فِي إِثْرِهِمْ وَسَارَ فِي طَلَبِهِمْ يُرِيدُ إِبَادَتَهُمْ عَنْ آخَرِهِمْ، فَانْتَهَى مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ إِلَى البَحْرِ، وَلَحِقَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، وَهُنَاكَ تَزَايَدَتْ مَخَاوِفُ المُؤْمِنِينَ، فَالبَحْرُ أَمَامَهُمْ وَالْعَدُوُّ مِنْ خَلْفِهِمْ، )فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( [الشعراء:61]، وَلَكِنْ كَانَتْ إِجَابَةُ المُؤْمِنِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى رَبِّهِ الْمُصَدِّقِ بِوَعْدِهِ: )قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ([الشعراء:62]، فَأَمَرَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ ذَلِكَ البَحْرَ الهَائِجَ المُتَلَاطِمَ فَضَرَبَهُ، فَانْفَتَحَ طُرُقًا يَابِسَةً عَلَى قَدْرِ القَوْمِ، فَسَارَ فِيهَا مُوسَى وَقَوْمُهُ لَا يَخَافُ دَرَكًا وَلَا يَخْشَى، وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فِي إِثْرِهِمْ، فَلَمَّا تَكَامَلَ قَوْمُ مُوسَى خَارِجِينَ مِنَ البَحْرِ، وَتَكَامَلَ قَوْمُ فِرْعَوْنَ دَاخِلِينَ فِيهِ؛ أَمَرَ اللهُ البَحْرَ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ وَأَغْرَقَهُمْ أَجْمَعِينَ. هَكَذَا -عِبَادَ اللهِ- انْتَصَرَ الحَقُّ عَلَى البَاطِلِ، وَصَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَحَصَلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُوسَى قَوْمَهُ حِينَ: )قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ( [الأعراف:129]، وَتَحَقَّقَتْ إِرَادَةُ اللهِ تَعَالَى الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ:)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ([القصص: 5 – 6].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ –عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ حَصَلَ هَذَا الحَدَثُ العَظِيمُ فِي اليَوْمِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، وَهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَهُوَ يَوْمٌ لَهُ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ وَحُرْمَةٌ قَدِيمَةٌ، قَدْ صَامَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمُهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَصَامَهُ نَبِيُّـنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟«، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ«، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَ صِيَامِهِ، وَمَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الذُّنُوبِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ«. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: »مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ« يَعْنِي رَمَضَانَ. [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ أَنْ لَا يَصُومَهُ مُفْرَدًا، بَلْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ، مُخَالِفًا بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي صِيَامِهِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وأَمَرَ بِصِيامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »فَإِذَا كَانَ الْعَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ«، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كَمَا أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ -عِبَادَ اللهِ- أَحَدُ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَهُوَ شَهْرٌ يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ«.

فَاجْتَهِدُوا -عِبَادَ اللهِ- فِي طَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ، وَاسْتَغِلُّوا مَوَاسِمَ الْقُرُبَاتِ، تَحُوزُوا الأَجْرَ وَالثَّوَابَ وَالْبَرَكَاتِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ،

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
قصة سيدنا موسى كليم الله مكتوبة

نبي الله موسى

مكانه موسى عليه السلام

خطبة قصة موسى مع فرعون

كلام الله مع موسى عليه السلام حديث قدسي مؤثر

خطبة عن قصة موسى عليه السلام

خَطْبُ الجمعة مكتوبة عن قصة سيدنا موسى

خطبة عن هلاك فرعون

خطبة الجمعة حول قصة موسى مع فرعون

خطبة دروس وعبر من قصة موسى مع فرعون

حديث الرسول عن موسى عليه السلام
0 تصويتات
بواسطة
خطبة نجاة موسى عليه السلام

اسئلة متعلقة

...