في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة (2.4مليون نقاط)

خطبة عن بداية سنة هجرية جديدة 

.خطبة بعنوان بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ 1443 . 

خطبة مختصرة بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ

خطبة الجمعة مكتوبة قصيرة عن بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ

الخطبة الاولى

 مع بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، يُنْجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ، لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحزَنُونَ، وَيَمنَحُهُمْ مِنْ فَضْـلِهِ أَجْرًا غَيْرَ مَمنُونٍ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، مَنْ تَوكَّلَ عَلَيْهِ بَعْدَ طَرْقِ الأَسْبَابِ حَفِظَهُ وَرَعَاهُ، وَكَلَّلَ بِالنَّجَاحِ مَسْعَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَخْرَجَ اللهُ بِبِعثَـتِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَعَلَ فِي هِجْرَتِهِ دَرْسًا فِي حُسْنِ التَّوَكُّلِ وَتَرتِيبِ الأُمُورِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ.. فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ يُوَدِّعُ المُسلِمُونَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ عَامًا هِجْرِيًّا، وَيَستَقْبِلُونَ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَامًا هِجْريًّا جَدِيدًا، وَالذَّكِيُّ الأَرِيبُ، الفَطِنُ اللَّبِيْبُ هُوَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْ مُرُورِ الأَيَّامِ وَكَرِّ الأَعْوَامِ عِظَةً وَعِبْرَةً، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا))(1).

 وَفِي بِدَايَةِ كُلِّ عَامٍ هِجْرِيٍّ جَدِيدٍ يَتَنَسَّمُ المُسلِمُونَ أَرِيجَ حَدَثٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْدَاثِ الإِسْلاَمِ، وَهُوَ الهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَهُوَ حَدَثٌ يَبْـقَى شَاخِصًا فِي الأَذْهَانِ مَاثِلاً فِي القُلُوبِ لاَ يُنْسِيْهِ كَرُّ الدُّهُورِ وَتَعاقُبُ الأَجْيَالِ، لِمَا لَهُ مِنْ أََثَرٍ عَظِيمٍ وَدَوْرٍ فَعَّالٍ، وَدُرُوسٍ مُستَفَادَةٍ، وَعِبَرٍ هِيَ أَعْظَمُ أَثَرًا وَأَكْثَرُ إِفَادَةً، مَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا وَاستَفَادَ مِنْهَا أَمِنَ العِثَارَ، وَرَافَقَهُ التَّوفِيقُ أَيْنَمَا حَلَّ وَحَيثُما سَارَ.

 إِنَّهَا مَنَارَاتٌ وَمَعَالِمُ، وَآيَاتٌ عَلَى الطَّرِيقِ تُحَدِّدُ الاتِّجَاهَ وَتُحَقِّقُ النَّجَاةَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) (2) ، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(3)، إِنَّ الهِجْرَةَ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ انتِقَالِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خُطَّةً مَرْسُومَةً حَاكَتْهَا الأَقْدَارُ، وَقَامَ بِتَنْفِيذِها الرَّسُولُ المُخْتَارُ -صلى الله عليه وسلم- بإِذْنِ رَبِّهِ وَمَولاَهُ، الذِي اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ، كَمَا كَانَتِ الهِجْرَةُ امتِحَانًا لِمَضَاءِ العَزِيمَةِ وَقُوَّةِ الإِرَادَةِ.

 كَي يَتَحَقَّقَ فِي الوَاقِعِ مَا قَدَّرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَرَادَهُ، لَقَدْ تَآمَرَ المُشْرِكُونَ وَدَبَّرُوا، وَخَطَّطُوا وَمَكَرُوا، وَلَكِنْ أَيْنَ مَكْرُ مَنْ مَكَرَ، وَأَيْنَ تَدْبِيرُ مَنْ دَبَّرَ، أَمَامَ قُوَّةِ اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ؟ يَقُولُ تَعَالَى: ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) (4).

 عِبَادَ اللهِ ..: إِنَّ فِي الهِجْرَةِ عِبَرًا وَعِظَاتٍ، وَحَسْبُ المُؤمِنِ البَحْثُ وَالدِّرَاسَةُ بِكُلِّ فِطْنَةٍ وَكِيَاسَةٍ، وَالحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ أَنَّى وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، لَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- وَدَأْبِهِ أنَّهُ إِذَا عَزَمَ عَلَى إِنْجَازِ عَمَلٍ مَا؛ دَرَسَهُ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، دَرَسَ ظَاهِرَهُ وَبَحَثَ عَنْ خَوَافِيهِ.

 وَلَقَدْ خَطَّطَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لِلْهِجْرَةِ أَعْظَمَ تَخْطِيطٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ سَبِيلاً لإِنْجَاحِهَا وَالوُصُولِ إِلَى غَايَاتِهَا المَقْصُودَةِ وَأَهْدَافِهَا المَنْشُودَةِ إِلاَّ سَلَكَهُ، وَلَمْ يَدَعْ بَابًا لِضَمَانِ نَجَاحِهَا إِلاَّ طَرَقَهُ، ثُمَّ تَوكَّلَ عَلَى اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَائلاًً إِيَّاهُ أََنْ يُيَسِّرَ لَهُ الأُمُورَ وَيُنِيرَ لَهُ المَسَالِكَ وَالدُّرُوبَ؛ لِيَدْخُلَ المَدِينَةَ مَدْخَلَ صِدْقٍ كَمَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مَخْرَجَ صِدْقٍ، فَقَالَ مَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ: ((وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْـنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا))(5).

 إنَّ المُؤمِنَ الذِي يَتَّخِذُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوَتَهُ، وَيَجْعَلُهُ دَائمًا قُدْوَتَهُ، يُعِدُّ لِكُلِّ أَمْرٍ عُدَّتَهُ، وَلاَ يُفَرِّطُ قِيْدَ أَنْمُلَةٍ فِي استِجْمَاعِ أَسْبَابِ الوُصُولِ إِلَى الغَايَةِ وَالهَدَفِ، وَلاَ يَتْرُكُ الأَمْرَ لِلْحُظُوظِ وَالصُّدَفِ، وَهَذَا هُوَ التَّوكُّلُ الإِيجَابِيُّ الذِي يَنْشُدُهُ الإِسْلامُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ وَيَحُثُّ عَلَيْهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا))(6).

 فَالإِيمَانُ بِاللهِ وَالتَّوكُّلُ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضُ الأُمُورِ إِلَيْهِ لاَ يُبَرِّرُ أَبدًا اتِّكَالِيَّةً، وَلاَ يُسَوِّغُ انْتَهَاجَ عَشْوَائيَّةٍ، فَالمُؤمِنُ بِاللهِ المُتَوَكِّلُ عَلَيْهِ يُؤمِنُ إِيمَانًا لاَ رَيْبَ فِيهِ بِأَنَّ للهِ فِي كَونِهِ سُنَنًا، وَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ التِي أَجْرَاهَا ارتِبَاطُ الأَسْبَابِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَالمُقَدِّمَاتِ بِنَتَائِجِها، ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))(7).

أَيُّها المُؤمِنونَ . إِنَّ الهِجْرَةَ تُعلِّمُنَا أَنَّ الوُصُولَ إِلَى الغَايَةِ المَرجُوَّةِ وَالهَدَفِ المُرَادِ يَحتَاجُ إِلَى جُهْدٍ مُتَواصِلٍ، وَلاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ تَحْدِيدِ الهَدَفِ، فَالذِي يُرِيدُ ثَمَرَةً مِنْ شَجَرَةٍ لاَ بُدَّ أَنْ يَهُزَّهَا أَو يَصْعَدَ عَلَيْهَا، وَمِنَ العَبَثِ الاكتِفَاءُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، فَالقُصُورُ لاَ يَأْتِي عَادَةً مِنْ تَحْدِيدِ الهَدَفِ، بَلْ مِنَ التَّهَاوُنِ فِي اخْتِيَارِ أَنْجَعِ الأَسَالِيبِ المُوصِلَةِ إِلَيْهِ، كَمَا عَلَّمَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الهِجْرَةِ كَيْفَ يُستَفَادُ مِنَ الطَّاقَاتِ وَالكَفَاءَاتِ وَالخِبْراتِ؛ فَقَدْ حَرَصَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَلَى أَنْ يُشَارِكَ فِي الهِجْرَةِ وَإِنْجَاحِهَا وَالوُصُولِ إِلَى غَايَتِهَا الرِجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالشَّبَابُ.

 فَكَانَ لِلْجَمِيعِ جُهُودٌ مَشْكُورَةٌ، وَأَدْوَارٌ خَالِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ غَيْرُ مَنْكُورَةٍ؛ لِيُعلِّمَ أُمَّـتَهُ أَنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ فِي تَضَافُرِ الجُهُودِ؛ لِلْوُصُولِ إِلَى الغَايَةِ المَرْجُوَّةِ وَالهَدَفِ المَنْشُودِ، وَقَدْ وَكَلَ -صلى الله عليه وسلم- لِكُلِّ مُشَارِكٍ وَمُعَاوِنٍ مَا يُنَاسِبُهُ حَسَبِ خِبْرَتِهِ وَكَفَاءَتِهِ، فَلِلْخِبْرَةِ وَالكَفَاءَةِ دَوْرٌ مُهِمٌّ فِي إِتْقَانِ العَمَلِ وَإِنْجَازِ المَهَامِّ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- اختَارَ رَجُلاً خَبِيَرًا بِطُرُقِ الصَّحْرَاءِ، مَعَ أنَّهُ كَانَ مِنْ غَيْرِ المُسلِمِينَ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْتَفِعَ المُسلِمُونَ بِمَواهِبِ الآخَرِينَ وَخِبْرَاتِهِمْ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ عَقَائِدِهِمْ، وَخُصُوصًا إِذَا تَعَسَّرَ الحُصُولُ عَلَى مُسلِمٍ يَملِكُ الكَفَاءَةَ أَو المَوهِبَةَ نَفْسَهَا، وَفِي تَوزِيعِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لأَدْوَارِ الذِينَ شَارَكُوا فِي الهِجْرَةِ دَرْسٌ لَنَا - مَعْـشَرَ المُسلِمِينَ - فِي الاستِفَادَةِ مِنَ الخِبْرَاتِ، وَمَا يُثْمِرُهُ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدَ وَخَيْرَاتٍ، فِي المُؤَسَّسَاتِ الحُكُومِيَّةِ وَالشَّرِكَاتِ، بَلْ فِي جَمِيعِ المَجَالاَتِ.

 فَإِذَا كَانَ كُلُّ عَامِلٍ خَبِيرًا فِي عَمَلِهِ، مُتَفَوِّقًا فِي تَخَصُّصِهِ؛ وَفَّرَ كَثِيرًا مِنَ الأَوقَاتِ التِي يُمْـكِنُ استِغْلاَلُهَا لأَعْمَالٍ أُخْرَى أَكْثَرَ إِفَادَةً، تَعُودُ عَلَى المُجتَمَعِ بِالرَّفَاهِيَةِ وَالسَّعَادَةِ، إِنَّ الأَصلَ فِي العَمَلِ هُوَ أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ فِي المَيْدَانِ الذِي يُنَاسِبُ قُدُرَاتِهِ وَخِبْرَاتِهِ.

وَلَقَدْ كَانَ تَضَافُرُ جُهُودِ كُلِّ المُشَارِكِينَ فِي الهِجْرَةِ سَببًا مِنْ أَسْبَابِ نَجَاحِهَا؛ فَبِتَضَافُرِ الجُهُودِ مَعَ الإِحْسَاسِ بِالمَسؤولِيَّةِ نُحَقِّقُ أَهْدَافَنَا، وَنَصِلُ إِلَى غَايَاتِنَا.

أَيُّها المُؤمِنونَ : إنَّ الهِجْرَةَ تُعلِّمُنَا أَنَّ الصِّدْقَ فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، وَالمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ، صِفَةٌ بِالمُؤمِنِ خَلِيقَةٌ، وَهِيَ بِهِ لَصِيقَةٌ، لاَ تُفَارِقُهُ وَلاَ يُفَارِقُهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الأَوقَاتِ، فَالصِّدقُ يُنْجِي وَلاَ يُرْدِي، ومَنْ ظَنَّ أنَّ النَّجَاحَ فِي الكَذِبِ وَأَنَّ الهَلَكَةَ

فِي الصِّدْقِ، فَقَدْ بَعُدَ عَنْ طَرِيقِ السَّدَادِ، وَحَادَ عَنْ سَبِيلِ الهُدَى وَالرَّشَادِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ))(8)، وَجَاءَ فِي الأَثَرِ: ((تحَرَّوُا الصِّدْقَ؛ وَإِنْ رَأَيتُمْ أَنَّ الهَلَكَةَ فِيهِ، فَإنَّ فِيهِ النَّجَاةَ))، وَلَقَدْ كَانَ الصِّدقُ فِي الهِجْرَةِ مَنَارَةً، تَجلَّى فِي العَمَلِ وَفِي اللَّفْظِ وَالعِبَارَةِ، حَيْثُ اتَّخَذَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - المَعَارِيضَ مَنْدُوحَةً عَنِ الكَذِبِ وَالتِزَامًا بِالصِّدْقِ، فَفِي طَرِيقِ الهِجْرَةِ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَرُبَّمَا عَرَفَ الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ وَلَمْ يَعْرِفِ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- ، فَيَتَوَجَّهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَيَسأَلُهُ فَيَقُولُ: "مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي مَعَكَ؟ فَيَقُولُ أَبُوبَكْرٍ: هَذَا رَجَلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ"؛

 فَتَحَرَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدْقَ فَوَصَفَ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- بِأَعْظَمِ أَوْصَافِهِ دُونَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ التَّحَوُّطِ الحَكِيمِ؛ فِي وَقْتٍ اشْتدَّ فِيهِ الطَّلَبُ لِلنَّبِيِّ الكَرِيمِ -صلى الله عليه وسلم- . 

أيُّهَا المُسلِمُونَ :لِكَي يَضْمَنَ المَرْءُ تَفَوُّقَهُ وَنَجَاحَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الصَّبْرَ سِلاَحَهُ، فَنَجَاحُ الهِجْرَةِ لَمْ يَأْتِ وَلِيدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بَلْ إِنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- مَهَّدَ لَهُ بِلِقَاءَاتٍ ثَلاَثَةٍ مَعَ طَلاَئعِ الأَنْصَارِ استَغْرَقَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، حَقَّقَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُنَّةَ التَّدَرُّجِ فِي الأُمُورِ، وَهَكَذَا تَعلِّمُنَا الهِجْرَةُ أَنَّ الصَّبْرَ وَالتَّدَرُّجَ وَالإِمْهَالَ دُونَ إِهْمَالٍ، هُوَ ضَمَانٌ لِنَجَاحِ الأَعْمَالِ وَتَحقِيقِ الأَهْدَافِ وَالآمَالِ

فَحَرِيٌّ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - أَنْ نَجْعَلَ الصَّبْرَ رَفِيقَنا فِي كُلِّ الأَعْمَالِ وَفِي كُلِّ مَجَالٍ، فَالصَّبْرُ فَضِيلَةٌ يَحتَاجُ الإِنْسَانُ إِلَيْهَا فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، فَبِالصَّبْرِ تَتَذلَّلُ الصُّعُوبَاتُ، وَتَنْزَاحُ الضَّوائِقُ وَالأَزَمَاتُ، فَمَنْ وَاجَهَ كُلَّ حَدَثٍ بِفِكْرٍ وَبَصِيرَةٍ وَصَبْرٍ جَمِيلٍ أُضِيئَتْ أَمَامَهُ السُّبلُ وَوَضَحَتْ، وَسَلِمَتْ أَعْمَالُهُ مِنَ الخَلَلِ وَصَلَحَتْ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((الصَّبْرُ ضِيَاءٌ))، وَيَقُولُ جَلَّ شَأْنُهُ: ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))(9).

تابع قراءة الخطبة كاملة على مربع الاجابة اسفل الصفحة 

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
خطبة الجمعة: مَا بَيْنَ عَامٍ مَضى وَعَامٍ آتٍ

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، خَالِقِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، مُقَدِّرُ الأَعْمَارِ وَالآجَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، عَمَرَ حَيَاتَهُ بِالطَّاعَةِ وَالإِحْسَانِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعَلَى أَتْبَاعِهِ وَحِزْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَبْعَثُ اللهُ فِيهِ الإِنْسَ وَالْجَانَّ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى الْعَزِيزَ الْغَفَّارَ، الَّذِي يُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ، وَيُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ، لأَجْلِ أَنْ تَسْتَمِرَّ حَيَاةُ الإِنْسَانِ، يَقـُولُ سُبْحَانَـه : ” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) الاسراء ” فَالزَّمَانُ – يا عِبَادَ اللهِ – ظَرْفٌ لأَعْمَالِ الْعِبَادِ، يُقَدِّمُونَهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا رَاجِينَ بِهَا الزُّلْفَى لَدَيْهِ، فَالنَّهَارُ لَهُ مَا يُلائِمُهُ مِنْ نَشَاطٍ وَعَمَلٍ، واللَّيْلُ لَهُ مَا يُلائِمُهُ مِنْ رَاحَةٍ وَسَكَنٍ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الأَثَرِ: ))وَاعْلَمْ أَنَّ للهِ عَمَلا بِالنَّهَارِ لا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلا بِاللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ))، وَمَنْ أَدْرَكَ الزَّمَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى حَرَصَ عَلَى أَنْ يَمْلأَهُ بِصَالِحَاتِ الأَعْمَالِ، وَزاكِيَاتِ الْخِصَالِ، وَبِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي الْعَاجِلِ وَالْمَآلِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَا نَحْنُ نُوَدِّعُ عَامًا هِجْرِيًّا يَمْضِي بِمَا فِيهِ مِنْ حُلْوٍ وَمُرٍّ، وَمِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ، وَمِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَسَقَمٍ وَعَافِيَةٍ، وَهَذَا مَوْلُودٌ يَفِدُ وَذاكَ مُوَدِّعٌ يَرْحَلُ، فَهَلا اعْتَبَرنَا بِمُضِيِّ الأَعْمَارِ، وَتَصَرُّمِ الأَوْقَاتِ، وَذَهَابِ الأَزْمِنَةِ وَالأَعْوَامِ، لِمَ لا يَبْكِي الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى عُمُرٍ فَاتَ لَمْ يَسْتَغِلَّهُ فِي طَاعَةِ اللهِ؟ وَلِمَ لا يَتَحَسَّرُ عَلَى فَوَاتِ زَمَنٍ مَضَى فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي اللهَ؟ إِنَّ الزَّمانَ – يا عِبَادَ اللهِ – أَنْفَسُ مَا يَمْتَلِكُهُ الإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ السَّفِينَةُ الَّتِي تَحْمِلُهُ إِمَّا إِلَى شَطِّ الْجِنَانِ، وَإِمَّا إِلَى فُوَّهَةِ الْبُرْكانِ، عِيَاذًا بِاللهِ. وَحَسْبُنَا فِي بَيَانِ مَكَانَةِ الزَّمَانِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ وَبِأَجْزَاءٍ مِنْه، وَلا يُقْسِمُ جَلَّ وَعَلا إِلا بِشَيْءٍ مُعَظَّمٍ لَدَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ” وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

سورة العصر ، وَقَالَ: وَالضُّحَى (1) سورة الضحى ، وَقَالَ:” وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) سورة الليل ” وَقَالَ: ” وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) ” سورة الفجر ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى هَذَا شَأْنُهُ حَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَدِّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَنْ يَسْتَغِلَّهُ الاِسْتِغْلالَ الأَمْثَلَ الْمَحْمُودَ، وَأَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّحْظَةِ وَالْخَطْرَةِ وَالنَّفَسِ يَتَنَفَّسُهُ فِيهِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ إفْناءَ الأَوْقَاتِ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيمَةُ الْكُبْرَى، وَإِنَّ تَضْيِيعَهَا فِي اللَّهْوِ وَفِيمَا لا يَعُودُ بِطَائِلٍ هُوَ الْخَسَارَةُ الْعُظْمَى، وَابْتُلِينَا – يَا عِبَادَ اللهِ – بِمَنْ لا يُقَدِّرُ لِلْعُمْرِ قَدْرَهُ، وَلا يَعْرِفُ لِلزَّمَانِ مَنْزِلَتَهُ، فَمَا بَيْنَ جَوَّالٍ وَجَوَّالٍ، وَأَجْهِزَةٍ ذَكِيَّةٍ سَلَبَتْ مِنْ عُقُولِ بَعْضِ النَّاسِ الذَّكاءَ، وَجَعَلَتْهُمْ يَعِيشُونَ في غَيْرِ عَالَمِهِمْ، وَتَتَسَاقَطُ السَّاعَاتُ مِنْ أَعْمَارِهِمْ تَسَاقُطَ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، فَلا هُمْ بِكِتَابِ اللهِ مُشْتَغِلونَ، وَلا عَلَى كُتُبِ الْعِلْمِ عَاكِفونَ، وَتُقَامُ الصَّلاةُ وَهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِهَوَاتِفِهِمْ مُلْتَهونَ، هَكَذَا تَنْقَضِي أَعْمَارُهُمْ، فَهَلْ سَيُوقِظُهُمْ مُرُورُ عَامٍ وَاسْتِقْبالُ عَامٍ؟ إِنَّ الْعَادَةَ مَتَى رَسَخَتْ فِي النَّفْسِ فَهِيَ كَالشَّجَرَةِ لا تَزَالُ تَنْمُو حَتَّى يَشُقَّ اقْتِلاعُهَا، وَمَنِ اعْتَادَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ عَلَى لَهْوِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ كَانَ الْتِفَاتُهُ إِلَى مَرَاشِدِ الْقُرْآنِ وَمَا تُطَالِبُهُ بِهِ أُمَّتُهُ الْتِفَاتَ مَنْ يُنَادَى بِوَادٍ سَحِيقٍ، فَالْعَيْنُ عَلَى الشَّاشَاتِ لا عَلَى الآيَاتِ، وَالأُذُنُ فِي سَمَاعِ النَّغَمَاتِ لا سَمَاعِ التِّلاوَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ نَدَبَكَ الْقُرْآنُ لِرِسَالَةٍ سَامِيَةٍ، وَأَنْتَ غَالٍ عِنْدَ الهَِ، فَلا تُلْقِ نَفْسَكَ فِي مَرَاعِي الإِهْمَالِ، وَلا يَكُنْ حَظُّكَ الْقِيلَ وَالْقَالَ، أَيْنَ جُهْدُكَ وَمُثابَرَتُكَ؟ وَأَيْنَ اسْتِبَاقُكَ لِلأَوْقَاتِ وَالأَزْمانِ؟ كَمْ مِنْ عَامٍ يَمْضِي وَيَتْلُوهُ عَامٌ وَلا تَزَالُ صِفْرًا عَلَى الشِّمَالِ، أَتَرْضَى لِنَفْسِكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ وَلا أَثَرَ خَيْرٍ لَكَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّمَا أَنْتَ فِيهَا مُجَرَّدُ رَقْمٍ مِنَ الأَرْقَامِ؟ أَلا تَجِدُّ فِيمَا جَدَّ فِيهِ الْفُطَناءُ وَالْعُقَلاءُ فَاكْتَسَبُوا فِي دُنْيَاهُمُ الْمَحَامِدَ وَالمَآثِرَ، وَكَانَ لَهُمْ حَمِيدُ الذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا وَجَمِيلُ الْمَقَامِ فِي الآخِرَةِ؟ فَرَدِّدْ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ : ” وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) ” سورة الشعراء

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرِضْوَانٍ, يَنْظُرُ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى صَالِحِ الأَعْمَالِ لا إِلَى طَالِحِهَا لِيَبْنِيَ مَجْدًا عَلَى مَجْدٍ وَيَصْعَدَ سُلَّمَ الْعَلْيَاءِ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَيْقِنُوا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدِ اسْتَخْلَفَكُمْ فِي الأَرْضِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَلْيَأْخُذِ الْعَاقِلُ مِنْ مَاضِي أيَّامِهِ مَا يُضِيءُ لَهُ حاضِرَهُ وَمُسْتَقْبَلَهُ. ؛ فَفِي التَّارِيخِ دُرُوسٌ بالِغَةٌ وَعِظاتٌ، فَخُذُوا الْعِبَرَ مِمَّنْ غَبَرَ، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى كَمْ يَلْفِتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَوَاقِفِ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَهُ لِيَسْتَبْصِرَ بِهَا فِيمَا يُعَالِجُهُ مِنَ الأَحْدَاثِ الَّتِي تَشْغَلُهُ، وَالْمَوَاقِفِ الَّتِي تَمُرُّ عَلَيْهِ، يَقُولُ جَلَّ وَعَلا : ” وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) سورة هود ” وَاسْتَبْصِرُوا فِي تَعَامُلِكُمْ مَعَ الأَحْدَاثِ الْمُحِيطَةِ بِكُمْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَوَاقِفِ عُلَمَائِكُمُ الْعَامِلِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ،وَأسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ مِنْ كُلِّ ذنَبٍ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ بَرٌّ تَوَّابٌ كَرِيْمٌ.

*** *** ***

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَا أَحْوَجَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يُوَدِّعُونَ عَامًا وَيَسْتَقْبِلُونَ عَامًا جَدِيدًا إِلَى أَنْ يُجَدِّدُوا عَهْدَهُمْ مَعَ اللهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، صلى الله عليه وسلم فَيَسْتَلُّوا السَّخَائِمَ وَالأَحْقَادَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَيَعُودُوا إِلَى الْمَوَدَّةِ وَالصَّفَاءِ، وَالأُلْفَةِ وَالإِخَاءِ، وَيُعْطوا الأُخُوَّةَ الإِسْلامِيَّةَ مَعْنَاهَا الصَّحِيحَ، وَيُحَقِّقوها فِي حَيَاتِهِمْ عَمَلا وَواقِعًا. أَلا يَكْتَفُونَ بِمَا جَرَّ عَلَيْهِمُ التَّشَرْذُمُ مِنْ وَيْلاتٍ، وَمَا نَجَمَ عَنْهُ مِنْ التَّدَخُّلِ السّافِرِ لِلآخَرينَ فِي شُؤُونِهِمُ الدَّاخِلِيَّةِ، وَهَذَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى يُنْذِرُ مِنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الانفال، وَيَقُولُ ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ال عمران “، وَمَا أَجْمَلَ مَقُولَةَ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَمَا قَالَ: ))نَحْنُ قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلامِ، فَإِذَا ابْتَغَيْنَا الْعِزَّةَ فِي غَيْرِهِ أَذَلَّنَا اللهُ)).

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56 ) الاحزاب

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل
0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
عِبادَ اللهِ :إنَّ سِيَاسَةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَحْدَاثِ الهِجْرَةِ إِنَّمَا كَانَتْ لِتَعلِيمِ أُمَّـتِهِ، فَلَقَدْ كَانَتْ قُدْرَةُ اللهِ صَالِحَةً لأن يَنْتَقِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ دُونَمَا حَاجَةٍ إِلَى مَا عَانَاهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي هِجْرَتِهِ مِنْ مَشَاقِّ الأَسفَارِ، وَاختِبَاءٍ فِي الغَارِ، وَسَيْرٍ مُعْظَمَ اللَّيْـلِ واكتِنَانٍ مُعْظَمَ النَّهَارِ، وَقَبْـلَ الهِجْرَةِ أُسْرِيَ بَرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، بَلْ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ العُلاَ فِي جُزْءٍ مِنَ اللَّيْـلِ يَسيرٍ، وَلَكِنَّ اللهَ شَاءَ أَنْ تَأَخُذَ الهِجْرَةُ الأُسلُوبَ المَادِيَّ العَادِيَّ لِينَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - شَرَفَ الهِجْرَةِ وَيُدْرِكَ جَزَاءَهَا وَيَحْظَى بِأَجْرِهَا مِنْ جِهَةٍ، وَلِيَكُونَ فِي ذَلِكَ تَعلِيمٌ لِلأُمَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، مَعَ أَنَّ الهِجْرَةَ لَمْ تَخْلُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ مَظَاهِرِ العَوْنِ الإِلَهِيِّ الخَارِقِ.

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ فِي الهِجْرَةِ كَثِيرًا مِنَ العِظَاتِ وَالعِبَرِ، يَستَفِيدُ بِهَا مَنِ اتَّعَظَ وَاعتَبَرَ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

                                                                          الخطبة الثانية

                      

   الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمَّا بَعْدُ..فَيَا عِبَادَ اللهِ :

   إِنَّ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ يُرِيدُهَا الإِسْلاَمُ وَاقِعًا مَلْمُوسًا، وَيُرِيدُ أَثَرَهَا مُشَاهَدًا مَحْسُوسًا، وَفِي الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ المُبَارَكَةِ تَتَجلَّى هَذِهِ الأَخْلاَقُ وَتَظْهَرُ؛ فَفِي الهِجْرَةِ حُبٌّ وَإِخَاءٌ، وَكَرَمٌ وَسَخَاءٌ، وَبِرٌّ وَوَفَاءٌ، وَتَعاوُنٌ وَبِنَاءٌ، وَتَكَافُلٌ وَإِيَواءٌ، لَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ الأَخْلاَقُ الرَّشِيدَةُ، وَالصِّفَاتُ الحَمِيدَةُ فِي الهِجْرَةِ مَدَاهَا، وَوَصَلَتْ إِلَى غَايَتِها وَمُنْتَهَاها؛ حتَّى صَارَتْ مَضْرِبَ الأَمْثَالِ عَلَى مَرِّ القُرونِ وَالأَجْيَالِ.

 كَمَا اتَّسَعَتْ دَائِرَةُ السَّمَاحَةِ فِي الهِجْرَةِ لِتَعُمَّ جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى مُختَلَفِ العَقَائِدِ وَالأَجنَاسِ، فَقَدْ أَقَامَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الهِجْرَةِ عَلاَقَاتٍ مَتِينَةً، وَصِلاَتٍ مَكِينَةً مَعَ غَيْرِ المُسلِمِينَ؛ فَأَقَرَّ لَهُمْ حُرِيَّةَ العَقِيدَةِ، وَضَمِنَ لَهُمُ العَيْـشَ آمنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ؛ فَالإِسلاَمُ يُقِيمُ العَلاَقَةَ بَيْنَ المُسلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أُسُسٍ وَطِيدَةٍ مِنَ التَّسَامُحِ وَالعَدْلِ وَعَدَمِ نِسْيَانِ الفَضْـلِ.

 أَيُّها المُؤمِنونَ : إِنَّ فِي الهِجْرَةِ دُرُوسًا مُستَفَادَةً فِي أَهَمِّيَّةِ الأُخُوَّةِ وَالتَّعَاوُنِ وَالسَّمَاحَةِ التِي يَجِبُ أَنْ تَعُمَّ وَتَسُودَ بَيْنَ العَامِلِينَ، فَمَا كَانَ لِلْهِجْرَةِ أَنْ تُكلَّلَ بِهَذَا النَّجَاحِ البَّاهِرِ لَوْ أَنَّ أَهْوَاءَ المُشَارِكِينَ فِيهَا تَشَتَّتْ، وَأَهْدَافَهُمْ تَبَايَنَتْ، فَفِي كُلِّ مَجَالٍ مِنْ مَجَالاَتِ العَمَلِ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ الجَمِيعُ بِرُوحِ الفَرِيقِ الوَاحِدِ، مُستَظِلِّينَ بِظِلاَلِ الأُخُوَّةِ، فَبِهَذَا يَشْعُرُ جَمِيعُ العَامِلِينَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَالرَّاحَةِ، وَيُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِكُلِّ يُسْرٍ وَسَمَاحَةٍ، وَفِي هَذِهِ الأَجْوَاءِ لاَ يَحْدُثُ تَرَاخٍ وَلاَ إِبْطَاءٌ، بَلْ عَمَلٌ جَادٌّ يُضَاعِفُ النِّتَاجَ وَالعَطَاءَ.

 فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَخُذُوا مِنْ حَادِثَةِ الهِجْرَةِ الدُّروسَ وَالعِبَرَ مِمَّا يُعِينُكُمْ عَلَى النَّجَاحِ فِي حَيَاتِكُمْ، واعلَمُوا أَنَّ مَنْ حُرِمَ فَضْـلَ هِجْرَةِ الأَبْدَانِ فَلَنْ يُحْرَمَ فَضْـلَ هِجْرَةِ العِصْيَانِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((المُؤمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ، وَالمُسلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ)).

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (10).

 اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وصحبه وسلم .

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.

 

 رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

   رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

 اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ ).

اسئلة متعلقة

...