في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة

خطبة بعنوان نعمة العافية مكتوبة ومختصرة منبر الخطباء 

خطبة عن نعمة العافية صيد الفوائد

خطبة عن نعمة العافية ملتقى الخطباء

خطبة بعنوان سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ

خطبة جمعة عن النعم إذا فُقِدَت عُرِفَت

خطبة عن العفو وَالْعَافِيَةَ

خطبة عن فضل العافية

أهلاً بكم أعزائي خطباء المساجد في موقعنا النورس العربي يسرنا بزيارتكم أن نقدم لكم من منابر الخطباء خطب الجمعة مكتوبة ومختصرة بعنوان نعمة العافية وصحة الأبدان مكتوبة وهي كالتالي على مربع الاجابة اسفل الصفحة نقدمها لكم مشكولة ومؤثرة مع الدعاء 

خطبة بعنوان نعمة العافية مكتوبة ومختصرة منبر الخطباء 

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
نعمة العافية

خطبه الجمعه بعنوان(نعمه العافيه)

الحمدُ لله حمدًا طيّبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه؛ كما يُحبّ ربُّنا ويرضى. وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدهُ ورسولهُ؛ بلّغ الرّسالةَ وأدّى الأمانةَ، ونصحَ للأمّة، وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلاّ هالكٌ.

كان يُقالُ: العافيةُ لا يعدلُها شيءٌ، ويُقال: مَن عوفيَ فليحمدِ الله، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «سَلوا الله العافيةَ» [1] - «سَلوا الله العافيةَ» – كما في الصّحيحينِ.

وعند الإمام أحمد أنّه قال: «سلوا الله العافية؛ فإنّه لم يُعطَ عبدٌ شيئًا أفضَل من العافية واليَقينَ في الآخِرةِ والأولى». مِن العافيةِ واليَقينِ، في الدُّنيا وفي الآخِرةِ.

قال ابنُ القيّم رحمهُ الله: فجمعَ بينَ عافيتيّ الدّينِ والدُّنيا، ولا يتمّ صَلاحُ العبدِ في الدّارين؛ إلاّ باليقينِ والعافيّة . – إلاّ باليَقينِ والعافيةِ - العافية التي فوقَ كُلّ عافيةٍ؛ أن تسلَمَ من الشِّرك، والشّكَ، والشُّبهةِ والشّهوةِ. العافيةُ عافيةُ الدّين التي فوق كُلّ عافيةٍ؛ هذه هيَ العافيةُ؛ السّلامةُ من هذه الأربعِ. فإذا عوفيتَ في دينكَ؛ فقَد أفلَحتَ؛ كما في حديثِ العبَاس بن عبد المُطّلِب؛ جاء إلى النّبيّ عليهِ الصّلاة والسّلام - كما في المُسنَد - وقال: يا رسول الله علّمني دُعاءً أدعو بهِ - علّمني دُعاءً أدعو بهِ - قال لهُ النّبي عليه الصّلاةُ والسّلام كلمةً واحدةً قال له: «يا عمّاه سلِ الله العافيةَ». فسكت العبّاس ثُمّ عاد مرّةً أخرى وسأل نفس السّؤال! فأعاد عليهِ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام نفس الجوابِ: «يا عمّاه سلِ الله العافيةَ في الدُّنيا والآخِرة». قال: «فإنّكَ إذا عوفيتَ في الدُّنيا والآخِرة فقد أفلَحت» ! إذا عوفيتَ في الدُّنيا والآخِرة فقد أفلَحت. العافية بابُ الفلاح - العافية باب الفلاح - العافية رُكنٌ من أركانِ النّعمة، يقول النّبيّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ - كما عند البُخاريّ في الأدب المُفرد وعند الترمذي وابن ماجه: «مَن أصبَح آمنًا في سِربهِ -في حيّهِ في مُجتمعهِ في بلدِهِ- مَن أصبَح آمنًا في سِربهِ مُعافًا في بدنهِ عندهُ قوتُ يومهِ فكأنّما حيزَت له الدُّنيا» . من جمَع هذه الثلاث التي هي أركان النّعمة، كأنّ الدُّنيا برُمّتها جُمِعت لهُ؛ لأنّ النّعمة لا تتمّ إلاّ بها مَن أصبَح آمنًا في سِربهِ مُعافًا في بدنهِ عندهُ قوتُ يومهِ فكأنّما حيزَت له الدُّنيا [2].

هذه العافية في البَدن فما بالُك بما هُو أعمّ من عافية البدن؟! ولذلك يقولُ ابن مسعود رضي الله عنهُ: العافيةُ الأمنُ والصّحّة. - العافيةُ الأمنُ والصّحّة - ويقولُ أبو الدّرداء رضي الله عنهُ: كم من نعمةٍ لله في عرقِ ساكِن! - عرقِ ساكِن! – عِرق في عينِك، عِرق في رأسك، عِرق في أيّ مَكانٍ ساكِن! كم من نعمةٍ لله في هذا العِرق السّاكن! لو تحرّك، أو اضطَرب ما استطعتَ أن تنامَ! إذا آلَمتكَ عينُك، أو ضِرسٌ من أضراسكَ ما استطعتَ أن تنامَ! تعرِف قدرَ العافيةَ - تعرِف قدرَ العافيةَ -.

العافية في لُقمة العيش، في استِساغةِ الطَعامِ والشّرابِ. ولذلك كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إذا أكِل أو شرِب؛ قال: «الحَمد لله الذي أطعمَ وسقى، وسوّقه، وجعلَ لهُ مخرجًا» [3]. أن يكون الطّعامُ سائِغًا هنيئًا مريئًا هذه عافيةٌ.

العافيةُ في النّفَس وأنت لا تُكلّف بآلتِه، تتنفّس في كُلّ حالٍ: وأنتَ تشرب، وأنت تأكُل وأنت تعمَل وأنتَ نائِم لا تُكلّف بهذه الآلة! ذكرَ ابن القيّم رحمه الله أن الإنسان يتنفّس في اليوم واللّيلةِ أربعًا وعشرين ألفَ نفسٍ! فتحتاجُ هذه النّعمةُ منكَ إلى أربعٍ وعشرين ألفَ شُكرٍ! هذا القلب الذي يعمل يذكُر العُلماء أنّه ينبِض في اليوم واللّيلة مائة ألف نبضةً! ما كُلّفت أنتَ بعمله! وما يحتاجُ إلى صِيانةٍ! وهذه الأجزاء التي تعيش مع كثير من النّاس الخمسين والسّتّين والسّبعين؛ بل ربّما أكثَر من ذلك! وهي لم تتغيّر؛ وذلكَ مَن عوفيَ؛ فليَحمدِ الله.

عافية في أنّك تُحسُّ بالحارّ بحرارته، والبارد ببرودتهِ، العافية أنّك تشُمّ. أذكُر رجلًا كبيرًا في السّنّ فقد حاسّة الشّمّ، وفقدَ الإحساس في أطرافه إثر مرضٍ أصابهُ. اشتعلت البطّانيّة التي يتغطّاها في الشّتاء من أطرافِ المدفأة (الدّفّاية) فاشتعلت فلم يشمّ الرّائحة، وأصابَت أقدامه ولم يحسُّ بذلك! حتّى وَصلت إلى السّاق فأحسّ! هل تأمّلت هذه النّعمة؟! أنتَ تجلِس في بيتك فتشُمّ رائحة الغاز فتنهَض، أو تُنبّه، تشمّ رائحة الكهرباء فتُنبّه، تشمّ رائحة نارٍ تنتبِه لهذا. العافية في أنّك ترى.

حضر أحدُ المشايخ – وهو كفيف البَصر – حَضر حفل تخريجٍ حفظة – حفظة من حفظ القرآن – فلمّا تكلّمَ بكى! قال: ما تمنّيتُ أنّني أرى؛ إلاّ مرّتين: في هذه اللّيلة لأرى هؤلاء الحفظة، ولمّا قرأتُ في أحد الأيّام: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] تمنّيتُ أنّني أرى لأرى هذا الخَلق العَجيب الذي أمرَ الله عزّ وجلّ بالتّفكُّر فيه.

كان النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ يقولُ في كُلّ صباحٍ ومساءٍ: «اللهمّ عافِني في سَمعي، اللّهمّ عافِني في بَصري، اللّهمّ عافِني في بَدني» [4]؛ كما عند أحمد والتّرمذيّ. هو يشعُر بهذه العافية، يُدرك أنّ هذه عافية، وأنّهُ بحاجةٍ إلى الشُّكر فيها، العافيةُ في القلبِ بثباتهِ وصَلاحِهِ، العافية في الوَلَد بصلاحهِ وعافيتهِ وصحّته، العافية في المال في كونهِ حلالًا طيّبًا مُباركًا فيهِ. العافيةُ أن تسلَم - كما قُلت - من كُلّ شكّ وشِرك وشهوةٍ وشُبهةٍ. العافيةُ أن تسلَم من الذّنب، سُئِل حكيمٌ: ما العافية؟! قال: أن يمرّ بكِ يومٌ بلا ذَنب. ما العافية؟! قال: أن يمرّ بكَ يومٌ بلا ذنبٍ! هذه عافيةٌ وسَلامةٌ. من سلامة الدّين، ومن العافية في الدّين أن تسلمَ من البِدعة، ومن مُشاقّة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ومن مُحادّتهِ ومِن مُضادّتهِ، ومن معصيتهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ.

والله عزّ وجلّ قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [النور:63]. قال الإمامُ أحمد: أتدري من الفتنة؟! لعلّهُ يرُدّ بعض ما جاء بهِ النّبيّ عليه الصلاة والسلام فيقعُ في قلبهِ شيءٌ من الزّيغ؛ فيهلَك! .

العافيةُ بمفهومها الواسِع تشملُ حتّى الأموات! - العافيةُ بمفهومها الواسِع تشملُ حتّى الأموات - قال عوفُ بن مالك رضي الله عنهُ: حفِظتُ من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الميّت: «اللّهمّ اغفر لهُ وارحمهُ وعافهِ واعفُ عنهُ [5]- اللّهمّ اغفر لهُ وارحمهُ وعافهِ واعفُ عنهُ» - كما في صحيحِ مُسلم. وفي صحيح مُسلم أيضًا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا زارَ المقابر دعا لهُم، ومِن دُعائِهِ: «نسألُ الله لنا ولكمُ العافية» [6]- نسألُ الله لنا ولكمُ العافية - فالعافية لا تقتصِر على الأحياء، ومن دُعاء النبيّ عليهِ الصّلاةُ والسّلام في كُلّ صباحٍ ومساءٍ: «اللّهمّ إنّي أسألُك العافيةَ في الدُّنيا والآخِرةَ» [7]، «اللّهمّ إنّي أسألُك العافيةَ في ديني ودُنياي وأهلي ومالي» [8]؛ كما عند أحمد وأبي داوود وابن ماجه.

وجاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله ما أسأل الله في الصّلوات الخمس – ما أسأل الله في الصّلوات الخمس - ماذا أقول؟! بماذا أدعو في الصّلوات الخَمس؟! فقال له النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام: «سلِ الله العافيةَ» [9] «سلِ الله العافيةَ» -. وقالت عائشةُ رضي الله عنها: لو عرفتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر؛ ما سألتُ الله إلاّ العافيةَ.

السّلامة أيّها الكريم من حُقوق الخلق:

مِن العافية أن تسلم من حُقوق الخَلق لا يُطالبونك بها لا في الدُّنيا ولا في الآخرة من العافية؛ ولذلك كتب رجُل إلى ابن عُمر رضي الله عنهما: أن اكتُب لي بالعلم كُلّه! فاختصر ابن عُمر العلم؛ بقولهِ: العلم كثيرٌ ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيف الظّهر من دماء المُسلمين – إن استطعتَ أن تلقى الله خفيف الظّهر من دماء المُسلمين - تلقى الله عزّ وجلّ وما في رقبتك وما في ذمّتك قطرة دم – وابن عُمر رضي اللهُ عنهُما هُو القائل: لمّا قيل له في زمانِه اخرُج نُبايعَك قال: ومن خالفني ماذا أعمل بهِ؟! قال: نضرب عُنقه بالسّيف؛ حتّى يستتبّ لك الأمر، حتّى يدين لك النّاس! قال: والله ما أحبّ أنّ الأرض دانت لي، وأريق بسببي دم مُسلمٍ بقدر مِحجمةٍ؛ يعني التي تُخرج من الإنسان في الحِجامة قليل دَم، في آلة الحِجامة القديمة. ما يسُرّني أنّ الأرض دانت لي وسُكب بسببي دم مُسلم بقدر محجمةٍ.

هذه العافية قال: إن استطعتَ أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المُسلمين، خميص البطن من أموالهم، لازمًا لأمر جماعتهم فافعَل. - إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دِماء المُسلمين، خميصَ البطن مِن أموالهم، لازمًا لأمر جَماعتهم فافعَل – هذا هو العلم، هذا هو الذي ينفعُ عند الله عزّ وجلّ، هذا من العافية؛ أن تلقى الله عزّ وجلّ ولا تُطالَب بشيء من حُقوق الخَلق، وهذا المَعنى نظرَ إليه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وقال: «إنّي لأرجو أن ألقى الله عزّ وجلّ وما أحد منكُم يطلبُني مَظلمة». ولذلكَ قبل غزوةٍ من الغزوات أعلنَ في النّاس من كان لهُ مظلمة قبل هذه الغزوة - من كان لهُ مظلمة - فليأتِ إليّ؛ فجاءه رجُلٌ وقال: يا رسول الله أنتَ ضَربتني بقَضيبٍ على خاصِرتي؛ فقال لهُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلامُ: «دونكَ فاقتصّ» [10] – خُذ.. خُذ حقّك في الدُّنيا – فقالَ: يا رسول الله أنتَ ضربتني بالقضيب وليس عليّ رِداء – مُباشرةً – فرفع النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام رداءهُ وقال: « دونَكَ» فأكبّ الرجُلّ على النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام وقال: إنّما أردتُ أن أقبّلَ جسمكَ من غَير أن يكون عليك ثيابٌ! قال: لعلّي لا ألقاكَ بعدَ يومي هذا. فهذا من العافية أن تتحلّل من النّاس في الدُّنيا قبلَ الآخِرةَ. ولذلك يقول النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام كما عند البُخاري: «مَن كان لهُ عند أخيه مظلمةٌ من عِرضٍ أو شيء؛ فليَتحلّل منه اليوم قبل ألا يكونُ دينارٌ ولا درهم» [11]. - قبل ألا يكونُ دينارٌ ولا درهم - لأنّهُ يوم القيامة ليسَ هُناك إلاّ الحسنات والسّيّئات - ليسَ هُناك إلاّ الحسنات والسّيّئات – في هذا يقولُ النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ في صحيح مُسلم: «لتؤدّنّ الحُقوق إلى أهلها، حتّى يُقاد –يعني يُقتصّ- للشّاة الجَلحاء من الشّاةِ القَرناء» [12]. يؤتى بها لبَيان كمال العدل الإلهيّ؛ وإلا ليس عليها حِسابٌ ولا عَذابٌ! ثُمّ يُقتصّ مِن هذي لهذي، ثُمّ يُقال لها: كوني تُرابًا! أعودُ إلى ما بدأت بهِ، وهو قولُ النّبيّ عليهِ الصّلاةُ والسّلام: سلَوا الله العافيةَ [13]
بواسطة (2.4مليون نقاط)
فاللهم عافنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا.



إن نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة، ومن كثرتها لا نستطيع عدها أو إحصائها؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]،



فاليوم أردنا أن نتحدث عن إحدى أجلِّ النعم التي أنعم الله بها علينا بعد نعمة الإسلام والإيمان، نعمة اليوم لولاها لَما شعرتَ بلذة محبوب، وطعم موهوب، ولولاها لَما طلبتَ كل شهيٍّ ومرغوب، ولولاها لتكدرتْ حالُك وانشغل بالك، ولولاها لم يكن لك قرار وثبات واستقرار، ولولاها لم تتزوج وتطلب المال وترغب في الحياة والعيال، ولولاها لم يدُمْ لك مطعم وشراب، ولا ما اشتهيتَ مما لذَّ وطاب، نعمة اليوم يا كرام لا تصلح الدنيا إلا بها، ولا العيش والأمن إلا في أجوائها، بها ينال المرء كل مطلوب، ويسعد في كل مرغوب، نعمة اليوم تُذهِب القلق وهموم الحياة وتزيل الشقاء والعناء، إنها سُلَّمُ الأمان، وتاج الأبدان، وأنس السعداء، ومنَّةُ الصلحاء، إنها حصانة من الفتن، ووقاية من المحن، إنها أهنأ عطية، وأفضل قسمة مرضية، لا يعدلها شيء ولا يساويها شيء، إنها من أفضل النعم، وأهنأ العطاء والكرم، إنها نعمة جديرٌ بنا أن نتحدث عنها في هذه الأيام، التي تنتشر فيها الأمراض وتكثر فيها الأوبئة والأوجاع، إنها نعمة العافية، وما أدراك ما العافية! هي العيشة الرضية الهنية، والسعادة الأبدية، والراحة الروحانية، لا عيش أهنأ منها، ولا لباسَ أحسن من لباسها، إذا فُقدت عُرفت، وإذا دامت جُهلت، هي تاج عظيم على رؤوسنا لن نشعر بقيمتها وفضلها إلا إذا فقدناها؛ ولهذا قالوا: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يعرف قدرها إلا المرضى"، نعم، إذا أردت أن تعرف قدر نعمة الله عليك وعافيته بك، فاذهب إلى أقرب مستشفًى أو مركز صحي لترى العجب العجاب، فهذا مريض يئنُّ من شدة المرض، وذاك يصرخ من قوة الألم، والآخر يبكي بأعلى صوته، ورابع يعيش في غيبوبة دون حس أو وعي، وخامس ينزف الدم من جسده، وسادس لا يستطيع العيش إلا والأكسجين على أنفه، والسابع معاق قد فَقَدَ عضوًا من أعضائه، والثامن في غرفة قد سموها غرفة الإنعاش؛



يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))،



فالحمد لله أولًا وآخرًا، وله الحمد والشكر حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.



أيها الأحباب الكرام، لقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يسأل ربه العافية في كل يوم من أيامه؛ فكان يقول صلى الله عليه وسلم من ضمن أذكاره اليومية في الصباح والمساء: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ...))،



بل كان صلى الله عليه وسلم يخصص الدعاء بالعافية لبدنه وسمعه وبصره؛ نظرًا لأهمية العافية في هذه المواضع المهمة؛



فيقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت))،



فيسأل الله العافية في بدنه كله؛ لأنه بالعافية يقوم الإنسان ويتحرك لطاعة الله، وبسلامة الأعضاء من الآفات والأمراض يتمكن المرء من مزاولة الطاعات وأداء الواجبات، والعافية هي نعمة الدنيا والآخرة، وهي من أجلِّ نعمِ الله على العبد، ولباس العافية من أجمل الألبسة وأعلاها وأغلاها؛ لذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من ربه العافية في بدنه وسمعه وبصره، والبصر نعمة عظيمة ينعم الله بها على عباده، ومن فقدها فَقَدْ فَقَدَ شيئًا كثيرًا، وسأل ربه العافية في بصره؛



يقول بكر بن عبدالله المزني رحمه الله: "يا ابن آدم، إذا أردتَ أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك، فغمِّض عينيك"، أغمض عينيك دقيقة واحدة، وتخيل أنك أعمى لا ترى شيئًا في حياتك كلها، وستعلم فضل الله عليك بالعافية لك في بصرك؛



قيل لرجل وكان أعمى: "ماذا تتمنى؟ قال: أتمنى أن أبصر فقط؛ لأرى قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17]، فإني لا أتمنى شيئًا إلا حينما أمرُّ على هذه الآية وأقرؤها، أتمنى أن أرى؛ لأن الله أمر بتمعن النظر فيها، فتمنيتُ النظر لأنظر إليها نظرةَ اعتبار وتفكر.

 

فاسألوا الله العافية يا عباد الله، وأكثروا من دعاء الله بالعافية؛ فقد روى أحمد والترمذي عن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سَلِ الله العافية، قال العباس: فمكثتُ أيامًا، ثم جئتُ، فقلتُ: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: يا عباس، يا عمَّ رسول الله، سَلِ الله العافية في الدنيا والآخرة))،



ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((سلوا الله العافية؛ فإن أحدًا لم يُعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية))،



ويقول أحد الصالحين: "أكثروا من سؤال الله العافية؛ فإن المبتلى وإن اشتد بلاؤه لا يأمن ما هو أشد منه، وليس المبتلى بأحق بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"،



ويقول سفيان الثوري رحمه الله: "نحن لا نخاف من البلاء، وإنما نخاف مما يبدو منا حال البلاء من السخط والضجر، ثم يقول: والله ما أدري ماذا يقع مني لو ابتُليتُ، فلعلي أكفر ولا أشعر"،



فاحمدِ اللهَ سبحانه وتعالى على نعمة العافية، احمده على أنك تأكل وتشرب وتخرج وتتحرك وأنت صحيح معافًى، ولتتذكر كم من مريض عنده أطيب أنواع المأكولات، وأفخر أنواع العصائر والمشروبات، ولكنه لا يستطيع الأكل والشرب بسبب مرارة فمه؛ فحُرم بذلك التلذذ بالطعام والشراب!



فإذا لم تُحرم هذه النعم، فاحمد الله واشكره كثيرًا على ذلك، ولا تفكر في نوعية الطعام أو قيمته، ولكن فكِّر في نعمة العافية التي طيبته، ولتعلم كذلك أن الرزق دون عافية لا يساوي شيئًا ولو كثُر، وكل شيء دون عافية لا يساوي شيئًا ولو شرف؛



لأن مفتاح النعيم هو العافية، وباب الطيبات هو العافية، وكنز السعادة هي العافية، ومن رُزق العافية، فقد حاز نفائس الأرزاق كلها؛



قال رجل لصاحبه وكانا ينظران إلى الدور والقصور: أين نحن حين قُسمت هذه الأموال؟ وكان صاحبه أعقل منه وأحكم، فأخذ بيده وذهب به إلى المستشفى، وقال له: أين نحن حين قسمت هذه الأمراض؟ فسكت الرجل، وعلِم أن العافية لا يساوي قدرها شيء، وكم من إنسان عنده من المتاع والقصور ولكن تنقصه العافية!



يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِهِ، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته - فقد حِيزت له الدنيا بحذافيرها))،



وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]،



أيها الكــرام، نعمة العافية كنز لا يساويه أو يوازيه أي كنز من كنوز الدنيا؛ فَسَلُوا الله العافية في الإيمان، وسلوا الله العافية في الدين والثبات عليه حتى الممات، وسلوا الله العافية في اليقين والسلامة من الشكوك والوساوس، وسلوا الله العافية في الجسد، وسلوه العافية في المال والأهل والولد، فما طاب طعام إلا بالعافية، ولا لذَّ مشروب إلا بالعافية؛



 ولذلكم كان الحجاج بن يوسف الثقفي - على ما فيه من صلف - جوادًا كريمًا لا تخلو مائدته من آكلٍ، وذات يوم كان خارجًا للصيد، وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غذاؤه، قال لهم: التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل جهة فلم يجدوا إلا أعرابيًّا، فأتَوا به إليه، فقال له الحجاج: هلمَّ فكُلْ، فقال: لقد دعاني مَن هو أكرم منك فأجبته، قال: من هو؟ قال: الله دعاني إلى الصوم، قال: تصوم في مثل هذا اليوم الحار؟ قال: صمتُ ليومٍ هو أشد حرًّا منه، قال: أفطر وصُمْ غدًا، فقال الأعرابي: أيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟ فقال: إنه طعام طيب، فقال الأعرابي: والله، ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية.



فيا أيها الأحباب الكــرام، إننا والله نعيش في غفلة كبيرة جدًّا عن هذه النعمة العظيمة؛ نعمة الصحة والعافية، وسلامة أعضائنا من الآفات والأمراض والعيوب، فلنتذكر دائمًا هذه النعمة الجليلة، ونشكر الله سبحانه وتعالى عليها قبل أن نفقدها؛



فاغتنموا صحتكم وعافيتكم قبل حلول المرض وتدهور الصحة وذهاب العافية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اغتنم خمسًا قبل خمس، وذكر منها: وصحتك قبل سقمك))، اللهــم أدِمْ علينا العافية في أبداننا، والأمن والأمان في أوطاننا، والإيمان في قلوبنا.



 ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



هذا وصلوا على البشير النذير.

اسئلة متعلقة

...