في تصنيف ثقافة إسلامية بواسطة (2.4مليون نقاط)

خطبة الجمعة الأولى من شهر ربيع الأول وقدوم ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وسلم مكتوبة مع الدعاء 

خطبة الجمعة بعنوان ذكرى المولد النبوي الشريف 

خطبة بعنوان: يوم ولد المصطفىﷺ

في ذكرى شهر الربيع النبوي

الحمد لله الذي أنعم علينا بولادة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأشهد ألَّا إله إلا الله ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام، ولد في عصر انتشرت فيه عبادة الأصنام، واستقسم الناس بالأزلام، وطغت على العقائد الخرافات والأوهام، وعلى المعاملات الفسوق والآثام، فعم فيه الظلم والظلام، فكانﷺ في الحرب رسول السلام، وفي السلم منبع الحب والوئام، داعيا إلى شريعة التوحيد والتوافق وصلة الأرحام، شريعة تطهر الأرواح والأجسام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دمت الأعوام.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته    

ها هو شهر ربيع الأول قد حل بساحتنا، وهو الشهر الثالث من الشهور القمرية الإسلامية، سماه العلماء شهر الربيع النبوي؛ ليس لأننا نتذكر فيه ولادته ونقرأ فيه سيرتهﷺ، فهذا واجب المسلم طيلة السنة كلها؛ بل لأنه شهر يحمل في طياته عدة أحداث من السيرة العطرة؛ ففيه ولدﷺ، وفيه بدأ الوحي بالرؤيا المنامية، وفيه هاجرﷺ من مكة إلى المدينة، وفيه نزلت الآية التي حرمت الخمور، وفيه وقعت غزوة بني النضير، وغزوة دومة الجندل، وغزوة الغابة، وسرية خالد بن الوليد التي أسلم بسببها القبيلة المسيحية بنجران، وفيه توفي إبراهيم ابن النبيﷺ، وفيه صلى النبيﷺ صلاة الكسوف لأول مرة، وفيه توفي النبيﷺ فالتحق بالرفيق الأعلى.

إنها أحداث نجهل أغلبها تماما، فماذا تعلم -أخي المسلم- من هذه الوقائع؟ لو احتضنت مقابلات في اللهو واللعب لضجت بها المواقع، ولعلمنا منها كل شيء؛ موقعها الجغرافي، ومناخها، وارتفاعها عن مستوى البحر أو انخفاضها، ومساحتها ومسافتها؛ ولكنها احتضنت أحداثا من سيرة المصطفىﷺ، فكان نصيبها منا التجاهل والإهمال، كما تجاهلنا الكثير من حقائق ديننا وتراث تاريخنا.

فتعالوا بنا اليوم بمناسبة شهر الربيع النبوي نكشف الستار عن حالة العرب يوم ولد المصطفىﷺ، حتى نقف على جمال الإسلام وجلاله؛ لأن الشيء يعرف بضده كما يقال، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي عاش الجاهلية بعنادها وجبروتها، بشركها وظلامها، وعاش أيضا الشريعة الإسلامية بسماحتها ويسرها، بنورها وهديها، يقول: «لا يعرف الإسلام إلا من عرف الجاهلية»، ويوضح لنا رضي الله عنه في كلمة ذهبية حالة العرب يوم ولد المصطفىﷺ إذ يقول: «كنتم أقل الناس وأحقر الناس وأذل الناس فأعزكم الله بالإسلام؛ فمهما تطلبوا العزة من غيره أذلكم الله»؛ نعم لا يعرف نور الإسلام وعلمه، ولا يعرف سماحته ويسره، إلا من اطلع على جهل الجاهلين، إلا من اطلع على ظلام الجاهلية وتعصبها وعنفها.

فالعرب يوم ولد المصطفىﷺ هم أقل الناس وأحقر الناس وأذل الناس، يعيشون في جاهلية جهلاء، وفي عصبية عمياء، وفي حالة مزرية بكل المقاييس؛ بل إن البشرية كلها قد عاشت في ظلام من الجاهلية في القرنين السادس والسابع الميلاديين؛ إذ سادت الوثنيات والخرافات والعصبيات والقبليات والطبقات والمفاسد الاجتماعية والسياسية، وحرفت الشرائع التي بها أنبياء الله المرسلون.

فأما العرب -يومها- فهم أذل الناس عقيدة، حيث عبدوا الأصنام وهي أحجار صنعوها، ثم سجدوا لها وركعوا، وقد كانوا يعبدون حجرا فإذا وجدوا أحسن منه أخذوه وألهوه وتركوا عبادة الأول؛ فلا غرابة أن تكون باقي نواحي الحياة في الجاهلية تابعة للعقيدة، لأن محل العقيدة القلب، والقلب إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله؛ فقد انتشر فيهم تبعا لفساد العقيدة الظلم بكل أنواعه، والغش بكل ألوانه، فتعاملوا بالربا والقمار، وتعاطوا الخمور، وما يتبع ذلك من الخبث والخبائث: فاستعبدوا المرأة ووأدوا البنات، وقتلوا أولادهم خشية الجوع والإملاق، فتشردموا وتفرقوا، وقامت بينهم حروب طاحنة لأتفه الأسباب، كحرب البسوس التي استمرت وحمي وطيسها أربعين سنة! الشيء الذي فتح عليهم النفوذ الأجنبية من الفرس والروم.

روى الإمام أحمد وابن خزيمة عن أم سلمة أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ألقى كلمة في حضرة ملك الحبشة النجاشي فصور فيها حالة العرب قبل الإسلام، وهذا نص كلمته؛ قال: «أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله؛ من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، قالت: فعدد عليه أمور الإسلام». (قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح).

ويكفي هذا معجزة أن يولد النبي الأميﷺ يتيما في مجتمع انتشرت فيه الجاهلية بهذا الشكل، ثم يكونﷺ أكثر الناس علما ومعرفة وأحسن الناس أخلاقا وأدبا؛ وفي هذا يقول عميد المديح النبوي البوصيري: 

كفاك بالعلم في الأمي معجزة *** في الجاهلية والتأديب في اليتم

تلكم هي حالة العرب يوم ولد المصطفىﷺ ولد فكان نورا مبينا يضيء في هذه الظلمات، وبرهانا ساطعا يزيل هذه الخرافات، وعدلا يمنع قتل الأولاد ووأد البنات، فأعزهم الله بهذه الولادة المباركة، فكانوا في العالم سادات، ففتحوا أقصى الشروق وأقصى الغروب، كما فتحوا عمق النفوس وعمق القلوب؛ فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه -نموذجيا- كان في الجاهلية يعبد صنما صنعه من الحجر، وهو نفسه الذي حكم بعد أن رباه الإسلام وأصلحه وهذبه الجزيرة العربية كلها، وحكم الفرس والعراق والشام ومصر، إنه حكم منطقة ذات أطراف شاسعة، أصبحت اليوم ثلاث عشرة دولة؛ فلا غرابة إذا علمنا أن النبيﷺ قال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».   

وإن حالة العرب قبل الإسلام، فيها أوصاف إذا أمعنت فيها، تجدها هي السائدة في حالة العرب والمسلمين اليوم، كأن التاريخ يعيد نفسه؛ نعم؛ لقد صدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: «فمهما تطلبوا العزة من غير الإسلام أذلكم الله».

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ هذا لا يعني أن العرب لا فضائل لهم، بل وجد الإسلام لديهم فضائل أصلحها وهذبها، وأزال رواسب الجاهلية عنها، فجعلها خالصة لله بعد أن كانت خالصة للنفس والقبيلة والعصبية؛ بل إنهم يتمتعون بفضائل لكنها غلوا فيها حتى أصبحت رذائل، يتصفون بأخلاق لكنها حقيرة الهدف وذليلة المقصد؛ فالشجاعة غلوا فيها حتى تحولت إلى تهور يقتل بعضهم بعضا، فهذبها الإسلام حتى كانت جهادا لإعلاء كلمة الله، والغَيرة غلوا فيها حتى أصبحت ظلما، فهذبها الإسلام حتى صارت حماية للأعراض والشرف، والخوف من العار غلوا فيه حتى أدى بهم إلى وأد البنات، فهذبه الإسلام حتى أكرم به المرأة والبنات، والجود والكرم غلو فيه حتى تحول إلى تكبر وافتخار، فهذبه الإسلام حتى كان لوجه الله دون سمعة ولا رياء، وحماية الجار والجوار والقرابة غلوا فيها حتى تحولت إلى عصبية ممقوتة، فنصروا أخاهم ظالما أو مظلوما، فهذبها الإسلام حتى كانت لرفع الظلم عن المظلوم، ومنع الظالم عن ظلمه، كما تبث ذلك في الحديث فقد روى البخاري ومسلم، أن النبيﷺ قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: أنصره إذا كان مظلوما أفرايت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قالﷺ: تحجزه أو تمنعه عن الظلم، فإن ذلك نصره». 

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب المصطفىﷺ.فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً,اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً,اللهم وارضَ عن صَحَابَتِهِ الكِرَامِ,والتَّابِعينَ لهم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ,وعنَّا معهم يا رحيمُ يا رَحمَانُ, 

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ,رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ واقم الصلاة

_______________________

شاهد أيضاً من هنا >>>>>خطبة صلاة الجمعة مكتوبة بعنوان وفاة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم مع دعاء نهاية الخطبة الثانية

3 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
 
أفضل إجابة

خطبة الجمعة بعنوان.. 

"في ذكرى مولده -صلوات الله وسلامه عليه-" 

الحمد لله الذي أكمل لنا الدّين وأتمّ علينا النّعمة، وجعل أمّتنا ولله الحمد خير أمّه، وبعث فينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آياته ويزكّينا ويعلّمنا الكتاب والحكمة، نحمده سبحانه ونشكره على نعمه الجمّة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، ونشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله، أرسله ربّه للعاملين رحمة، وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل مهمّة، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه صلاة تكون لنا نورا من كلّ ظلمة، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتّقوا الله -عباد الله- حقّ التّقوى، فتقواه سبحانه خير زاد ليوم المعاد، ((وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى واتّقون يا أولي الألباب)).

معاشر المسلمين: يقول ربّنا -جلّ وعلا- ممتنّا على عباده المؤمنين: ((لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)).

فقد ذكَّر الله عبادَه المؤمنين منَّته عليهم وفضلَه بمبعث سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليعرفوا قدرَ هذه النّعمة فيشكروه عليها، فإنّها نعمة ما بعدها نعمة. قال ابن رجب -رحمه الله-: "فإنّ النّعمة على الأمّة بإرساله أعظم من النّعمة عليهم بإيجاد السّماء والأرض والشّمس والقمر والرّياح والليل والنّهار وإنزال المطر وإخراج النّبات وغير ذلك. فإنّ هذه النّعم كلّها قد عمّت خلقًا من بني آدم كفروا بالله وبرسله وبلقائه، فبدّلوا نعمة الله كفرًا. وأمّا النّعمة بإرسال محمّد -صلى الله عليه وسلم- فإنّ بها تمّت مصالح الدّنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذي رضيه لعباده، وكان قبوله سبب سعادتهم في دنياهم وآخرتهم"اهـ.

عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم الاثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه وأنزلت عَليَّ فيه النّبوة» [مسلم]، فصيام النّبيّ –صلى الله عليه وسلم- لهذا اليوم كان من باب مقابلة هذه النّعمة العظيمة في أوقات تجدّدها بالشّكر لله -جل وعلا-.

ونحن -عباد الله- في مطلع هذا الشّهر المبارك، شهر ربيع الاوّل، حريّ بنا أن نتذاكر هذه النّعمة لنقدرها حقّ قدرها، فنحن في شهر اختاره الله –عزّوجل- لرسوله -صلّى الله عليه وسلم-، فجمهور العلماء على أنّ هذا الشّهر هو شهر مولده -صلى الله عليه وسلم-، و هو الشّهر الذي بدأ فيه الوحي بالرّؤيا المناميّة على نبيّنا -عليه الصّلاة والسّلام-، ففي البخاري عن عائشة زوج النّبي -صلى الله عليه وسلم- قالت : "كان أوّل ما بٌدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح"، وكان ذلك قبل ستّة أشهر من نزول القرآن في رمضان، أي في ربيع الاول. وفي هذا الشّهر دخل النّبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وقد جاء إليها مهاجرا من مكّة وأسّس بها دولة الإسلام، وفي هذا الشّهر التحق نبيّنا -صلوات ربي وسلامه عليه- بالرّفيق الأعلى.

إخوة الإسلام: ما أحوجنا ونحن بين يدي هذا الشّهر الكريم، ما أحوجنا أن نقف وقفة محاسبة مع أنفسنا ونتساءل: أين نحن من سيرة نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-؟، أين نحن من سنّته وأخلاقة وشمائله –عليه الصّلاة والسّلام-؟، نتساءل عن العلاقة بين هذه الذّكرى المتجدّدة التي نسعد بها كل عام، وبين واقعنا المعرض عن معظم ما جاء به هذا النّبيّ الكريم؟.

إنّ النّاظر في واقعنا اليوم -عباد الله- يرى أنّنا أصبحنا في زمن يجهل فيه كثير من المسلمين سيرة نبيّهم -صلوات الله وسلامه عليه-، بل -ويا للأسف- إنّ الكثير من شبابنا من الجنسين، يعرفون تفاصيل حياة بعض المشاهير من أهل الفنّ والطّرب والرّياضة أكثر من معرفتهم عن حياة نبيّهم وحبيبهم وقدوتهم محمّد -صلى الله عليه وسلم-.

إنّ واقعا كهذا -عباد الله- لا يمكن أن يقرّبنا إلى الله -عز وجل-، بل إنّه ليفرض علينا الخجل من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، إنّه ليفرض علينا أن نغرق في الاستحياء من هذا النّبيّ الكريم، لأننا بعيدون كل البعد عن سيرته والتّمثّل بأخلاقه وسنّته.

عباد الله: يقول ربّنا -جل وعلا-: ((لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر))، وإنّه يستحيل على من لا يعرف سيرة نبيّه أن يتأسّي به -صلوات الله وسلامه عليه-. فبمعرفة السّيرة تتحقِّقُ لنا معرفةَ نبيِّنا معرفةً تفصيليَّةً، وهذه المعرفة هي وحدها من تورِّثَ في نفوسنا حبَّه –صلى الله عليه وسلم- وإجلالَه وتوقيرَه وتعظيمَه، ثمَّ إنَّ هذه المحبَّة ستدفعُ بنا إلى متابعته في هديه والاقتداء به في سيرته، وبذلك يسعَدُ العبد في دنياه وآخرته. قال ابن القيِّم -رحمه الله-: "وإذا كانت سعادةُ العبدِ في الدَّارين مُعلَّقةً بهدي النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فيجِب على كلِّ من نَصح نفسَهُ وأحبَّ نجاتَها وسعادتَها، أن يعرفَ من هَديِه وسِيرتِه وشأنِه مَا يَخْرُجُ به عن الجاهلين بهِ، ويدخلُ به في عِداد أتباعِه وشِيعته وحِزبه، والنَّاس في هذا بين مُستقِلٍّ ومُستكثِرٍ ومحرومٍ، والفضلُ بيد الله يُؤتيه من يشاء، والله ذو الفَضل العَظيم"اهـ.

أيّها المسلمون: إنّ بيتا يخلو من كتاب يتحدّث عن سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- هو بيت لا خير فيه، ولا يٌرجى منه أن يٌخرج للمجتمع قدوات صالحة نافعة، وإنّ من الواجب على الأولياء في هذا العصر -الذي كثرت فيه الفتن ورّوّج فيه للقدوات الفاسدة- أن يحرصوا على تربية أبنائهم على سيرة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان السَّلف –رضوان الله عليهم- يحثّون أبنائهم على تعلُّم السّيرة النَّبويّة ويعلَّمونهم إيّاها، قال زين العابدين علي بن الحسين "كنَّا نُعَلَّمُ مغازيَ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما نُعَلَّم السُّورةَ منَ القرآنِ". وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كانَ أبي يُعلِّمُنا مَغازيَ رسُولِ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويَعُدُّها عَلينا، وسَرَاياهُ؛ ويقولُ: هَذه مَآثِر آبائكُم فلا تضيِّعُوا ذِكْرَها". 

بهذا صلح السّلف الأول ونشأ ذلك الجيل الفريد، وإنّه لا صلاح لهذه الأمّة إلا بما صلح به أوّلها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا...واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاسغروة 

          

الخطبة الثانية 

الحمد لله... 

وبعد -أيّها المؤمنون-: إنّها منّة من الله عظيمة أن جعلنا من هذه الأمّة المحمّديّة، فمن كان من هذه الأمّة فهو من خير الأمم عند الله -عز وجل-، قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ))، وقال صلّى الله عليه وسلّم: "أنتم توفون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل" [أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم]. 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "لمّا كان هذا الرّسول النّبيّ الأميّ خير الخلق وأفضلهم، كانت أمّته خير أمّة وأفضلها، فما يحسٌنٌ بمن كان من خير الأمم وانتسب إلى متابعة خير الخلق، وخصوصًا من كان يسكن خير منازل المسلمين في آخر الزّمان إلّا أن يكون مُتّصفًا بصفات الخير، مجتنبًا لصفات الشّر، وقبيح به أن يرضى لنفسه أن يكون من شرِّ النّاس مع انتسابه إلى خير الأمم ومتابعة خير الرّسل، قال الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ))، فخير النّاس من آمن وعمل صالحًا"اهـ.

إخوة الإسلام: لقد أخبر الرّسول الكريم عن موقف رهيب سيٌطرد فيه أناس من أمّته عن حوضه، فقال -عليه الصّلاة والسّلام-: "إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيُؤخذ ناس من دوني، فأقول: "يا ربّ، منّي ومن أمّتي!، فيٌقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟!، والله، ما برحوا يرجعون على أعقابهم" [البخاري]. وعند مسلم أنّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنِّي فرطُكُم على الحوض، وإنَّ عرضه كما بين أيلة إلى الجُحفة. إنِّي لستُ أخشى عليكم أنْ تُشركوا بعدي، ولكنِّي أخشى عليكم الدّنيا، أنْ تنافسوا فيها وتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم".

وها أنتم ترون -عباد الله- كيف يمعن الكثير منّا في تبديل ما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بالمحافظة عليه، ها أنتم ترون المطامع الدنيوية وهي تأخذنا ذات اليمين وذات الشّمال، وإنّه لا عاصم لنا إلا سنّة نبيّنا والارتباط بسيرته والتّمسك بوصاياه عليه الصلاة والسلام.

يا بني الإسلام صونوا دينكم ** ينبغي للدّين أن لا يٌطّرح

واحــمــدوا الله الذي أكرمكم ** بنبـيّ قــام فـيكم فــــنصح

بـنبــــيّ فـــــتح الله بــــــــه ** كــلّ خــير نلـتــموه ومنح

مرسلٌ لو يوزن النّاس به ** في التّقى والبرّ خفّوا ورجح

فـــرسول الله أولى بالعلى ** ورســـــول الله أولى بالمدح

هذا وصلوا -عباد الله- على خير خلق الله، سيدنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك المولى جل في علاه، فقال عز من قائل قولا كريما: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي...)).. فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً,اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً,اللهم وارضَ عن صَحَابَتِهِ الكِرَامِ,والتَّابِعينَ لهم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ,وعنَّا معهم يا رحيمُ يا رَحمَانُ, 

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ,رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ واقم الصلاة

بواسطة (2.4مليون نقاط)
شاهد أيضاً من من خلال الرابط التالي https://www.alnwrsraby.net/21061/
خطبة الجمعة بعنوان ذكرى المولد النبوي الشريف، مكتوبة عن ميلاد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
0 تصويتات
بواسطة (2.4مليون نقاط)
خطبة بعنوان هل عرفنا قدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

خطبة الجمعة: (هل عرفنا قدر نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ)

الخطبة الأولى

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ حَقِّ بَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ الْتِزَامُ مَنْهَجِ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ، وَالخَلْقُ جَمِيعَاً خَلْقُ اللهِ تعالى، وَأَحَبُّ العِبَادِ إلى اللهِ تعالى أَنْفَعُهُم لِعِبَادِ اللهِ جَمِيعَاً، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا إِلَّا في سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ عَنْهُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.

لِذَلِكَ فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ الخَلْقِ إلى اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَنْفَعَ الخَلْقِ لِخَلْقِ اللهِ تعالى، حَتَّى قَالَ عَنْ ذَاتِهِ الـشَّرِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيْنَ خُلُقُ الرَّحْمَةِ فِينَا؟ لِمَاذَا لَا نَتَرَاحَمُ؟ لِمَاذَا لَا نُحِبُّ الخَيْرَ للآخَرِينَ كَمَا نُحِبُّهُ لِأَنْفُسِنَا؟ لِمَاذَا لَا نَتَأَسَّى بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ لِمَاذَا لَا يَرْحَمُ الكَبِيرُ مِنَّا الصَّغِيرَ؟ وَلِمَاذَا لَا يَرْحَمُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، وَالزَّوْجَةُ زَوْجَهَا؟ وَلِمَاذَا لَا يَرْحَمُ الوَالِدُ وَلَدَهُ، وَالوَلَدُ وَالِدَهُ؟ لِمَاذَا لَا يَرْحَمُ كُلُّنَا كُلَّنَا؟ أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالآخَرِينَ؟

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد عَابَ اللهُ تعالى عَلَى أَقْوَامٍ فَقَالَ في حَقِّهِمْ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾. لِأَنَّ التَّعَرُّفَ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُوَلِّدُ في القَلْبِ حُبَّهُ وَالإِيمَانَ بِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آمَنَ وَاتَّبَعَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ شَرَفَنَا مَا كَانَ إِلَّا في انْتِمَائِنَا لِهَذَا الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً للعَالَمِينَ، بَشِيرَاً وَنَذِيرَاً، وَدَاعِيَاً إلى اللهِ بِإذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيرَاً؟

هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُلُّهُ رَحْمَةً، رَحِمَ اللهُ تعالى بِهِ أَجْنَاسَ البَشَرِ جَمِيعَاً، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ، عَلَى خِلَافِ سُنَّتِهِ تَبَارَكَ وتعالى فِيمَا مَـضَى مِنَ الأُمَمِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَتْ رَحْمَةُ اللهِ تعالى قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْحَقُ إِلَّا مَنْ آمَنَ، قَالَ تعالى في قَوْمِ هُودٍ: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودَاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾.

وَقَالَ في قَوْمِ صَالِحٍ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحَاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.

وَقَالَ في قَوْمِ شُعَيْبٍ: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبَاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.

أَمَّا هَذِهِ الأُمَّةِ، فَقَدْ رَحِمَ اللهُ تعالى المُكَذِّبِينَ فِيهَا وَالكَافِرِينَ وَالفُسَّاقَ وَالفَاجِرِينَ، بِبَرَكَةِ وُجُودِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

هَؤُلَاءِ مَا كَانُوا عُقَلَاءَ، مَا أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَو كَانُوا عُقَلَاءَ وَمُنْصِفِينَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ لَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَاهْدِنَا إِلَيْهِ، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا لِقَبُولِهِ؛ لَكِنَّهُمْ قَالُوا بِلِسَانِ الاسْتِكْبَارِ وَالتَّحَدِّي وَالاسْتِعْلَاءِ: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

فَمَاذَا كَانَ الجَوَابُ مِنْ حَضْرَةِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ تعالى الذي أَرْسَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً للعَالَمِينَ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾. كَرَامَةً لَكَ لَنْ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، بَلْ يُؤَخِّرُ عَنْهُمُ العَذَابَ لَعَلَّهُمْ أَنْ يَتُوبُوا، عَلَى خِلَافِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد: يَا عِبَادَ اللهِ: نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَلَا مَثِيلَ لِرَحْمَتِهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنِعَتْ قُرَيْشٌ مِنَ العَذَابِ حِينَ طَلَبُوهُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾.

وَانْظُرُوا إلى الفَارِقِ الكَبِيرِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الحَوَارِيِّينَ الذينَ قَالُوا لِسَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾. فَمَاذَا قَالَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ قَالَ: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدَاً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾. أَدَبٌ رَفِيعٌ في الطَّلَبِ مِنَ اللهِ تعالى، وَلَكِنْ جَاءَ الجَوَابُ: ﴿قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابَاً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدَاً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾. لَقَدْ طَلَبُوا مَائِدَةً فَآتَاهُمُ اللهُ تعالى إِيَّاهَا مَعَ نَذِيرِ العَذَابِ.

وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَقَدْ طَلَبَتِ العَذَابَ، فَمُنِعُوهَ إِكْرَامَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَهَل عَرَفْنَا مِقْدَارَ الرَّحْمَةِ التي بُعِثَ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَأَيْنَ الرَّحْمَةُ فِينَا؟ كُونُوا عَلَى يَقِينٍ: مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ.

اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا وَارْحَمْ بِنَا. آمين.

وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)﴾ سُورَةُ الأَحْزاب . اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،

 . اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ.

 عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. أُذْكُرُوا اللهَ العَظيمَ يَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدُكُمْ وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا،

 وَأَقِمِ الصَّلاةَ.
0 تصويتات
بواسطة
خطبة الجمعة مولد الرحمة لِلْعَالَمِينَ

مقدمة خطبة في مدح الرسول

بركات مولد النبي

خطبة عن إرهاصات النبوة

يا مولد المصطفى جدد لنا أملا

محاضرة عن المولد النبوي الشريف

خطبة عن شهر ربيع الأول

درس عن مولد النبي

اسئلة متعلقة

...